مِثْلُهُ حَرْفًا بِحَرْفٍ، وَإِنْ جَهِلَ كَانَ مَعْذُورًا فِي الظَّاهِرِ لَا إثْمَ عَلَيْهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُشْتَرِي عَلَى مَا يَعْلَمُهُ، وَضَمَانُ السَّفِينَةِ إذَا أَشْرَفَتْ عَلَى الْغَرَقِ، وَلَا يُنْقِذُهُمْ إلَّا إلْقَاءُ الْمَتَاعِ يَجِبُ إلْقَاؤُهُ، وَلَكِنْ بِعِوَضٍ إذَا كَانَتْ مَنْفَعَتُهُ تَعُودُ إلَى غَيْرِ صَاحِبِ الْمَتَاعِ، وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ: إنَّ الْمُلْقَى لَا يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِ مَالِكِهِ حَتَّى لَوْ لَفَظَهُ الْبَحْرُ عَلَى السَّاحِلِ، وَظَفِرْنَا بِهِ فَهُوَ لِمَالِكِهِ، وَيَسْتَرِدُّ الضَّامِنُ الْمَبْذُولَ.
وَهَلْ لِلْمَالِكِ أَنْ يُمْسِكَ مَا أَخَذَهُ، وَيَرُدُّ بَدَلَهُ؟ فِيهِ خِلَافٌ كَالْخِلَافِ فِي الْعَيْنِ الْمُقْتَرَضَةِ إذَا كَانَتْ بَاقِيَةً هَلْ لِلْمُقْتَرِضِ إمْسَاكُهَا، وَرَدُّ بَدَلِهَا إذَا عُرِّفَتْ، فَالْمَتَاعُ إنَّمَا يَجِبُ عَلَى صَاحِبِهِ إزَالَةُ يَدِهِ عَنْهُ بِالْإِلْقَاءِ لَا خُرُوجِ مِلْكِهِ عَنْهُ، وَالْمَالُ الْمَبْذُولُ لَهُ فِي مُقَابَلَةِ الْيَدِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُبْذَلَ لَهُ فِي مُقَابَلَةِ ذَلِكَ عَيْنٌ، أَوْ دَيْنٌ فَهُوَ يُشْبِهُ الْخُلْعَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ فِيهِ إزَالَةَ يَدٍ مُحِقَّةٍ، وَيُفَارِقُهُ فِي بَقَاءِ مِلْكِهِ عَلَيْهِ كَمَا أَفَادَهُ الْإِمَامُ.
وَفِي وُجُوبِ الْإِلْقَاءِ فَإِنَّ الزَّوْجَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا إزَالَةُ الشِّقَاقِ فَقَطْ دُونَ إبَانَةِ الْمَرْأَةِ، وَيُشْبِهُ مِمَّا أَخَذَهُ بِالْعَيْنِ الْمُقْتَرَضَةِ يَقْتَضِي أَنْ يَجْرِيَ الْخِلَافُ فِي أَنَّهُ هَلْ يَمْلِكُهُ بِالْقَبْضِ، أَوْ بِالتَّصَرُّفِ، وَهَذَا فِيمَا إذَا كَانَ الْمَبْذُولُ عَيْنًا ظَاهِرًا، وَأَمَّا إذَا كَانَ دَيْنًا فَقَدْ يُسْتَبْعَدُ، وَلَا اسْتِبْعَادَ فِيهِ أَيْضًا فَقَدْ قَالَ صَاحِبُ الْمُهَذَّبِ، وَأَتْبَاعُهُ: إنَّهُ لَوْ قَالَ: أَقْرَضْتُك أَلْفًا، وَقَبِلَ، وَتَفَرَّقَا ثُمَّ دَفَعَ إلَيْهِ أَلْفًا جَازَ إنْ لَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ، وَإِنْ طَالَ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يُعِيدَ لَفْظَ الْقَرْضِ، وَهَذَا يَقْتَضِي جَوَازَ إيرَادِ الْقَرْضِ عَلَى مَا فِي الذِّمَّةِ.
فَقَدْ يَكُونُ مَا تَضَمَّنَهُ الضَّامِنُ لِلْمُلْقَى فِي ذِمَّتِهِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ، وَإِنْ كَانَ لَازِمًا فَقَدْ يَكُونُ الْمَتَاعُ لِلْمُلْقِي، وَهُوَ الْمُشَبَّهُ لِلْعَيْنِ الْمُقْتَرَضَةِ، وَيُجْعَلُ صَاحِبُ الْمَتَاعِ كَأَنَّهُ أَقْرَضَهُ مِنْهُمْ، وَهَذَا هُوَ أَوْلَى التَّقْدِيرَيْنِ، وَإِذَا أَخَذَ بَدَلَهُ مِنْ الضَّامِنِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ بَدَلِهِ، وَلِذَلِكَ يَسْتَرِدُّهُ إذَا قُلْنَا: يَسْتَرِدُّ الْعَيْنَ الْمُقْتَرَضَةَ فَلَا يَبْعُدُ جَرَيَانُ الْخِلَافِ فِي وَقْتِ مِلْكِهِ كَذَلِكَ، وَبِمَا ذَكَرْنَاهُ بَانَ وَاتَّضَحَ أَنَّ هَذَا الضَّمَانَ أَعْنِي: ضَمَانَ السَّفِينَةِ كَسَائِرِ الْعُقُودِ الْخُلْعِ، وَالْجَعَالَةِ، وَغَيْرِهِمَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فَيَقْتَضِي التَّقْسِيطَ فَلَا جُرْمَ قَالُوا: إذَا قَالَ: " أَنَا، وَهُمْ ضَامِنُونَ " حُمِلَ عَلَى التَّقْسِيطِ، وَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا تَقْسِيطُهُ، وَأَمَّا الضَّمَانُ الْحَقِيقِيُّ الَّذِي نَحْنُ نَتَكَلَّمُ فِيهِ فَلَيْسَ فِي مُقَابَلَتِهِ شَيْءٌ، وَلَا مُعَاوَضَةٌ، وَلَا افْتِدَاءٌ، وَإِنَّمَا هُوَ الْتِزَامٌ مُجَرَّدٌ فَلَا يُوجِبُ التَّقْسِيطَ فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ.
فَلَا جُرْمَ قُلْنَا: يَلْزَمُ كُلًّا مِنْهُمَا الْجَمِيعُ، فَإِنْ قُلْت: لَوْ صَحَّ مَا قُلْته فِي ضَمَانِ السَّفِينَةِ لَكَانَ إذَا صَرَّحَ بِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ضَامِنٌ عَلَى الْكَمَالِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ كَمَا لَا يَصِحُّ أَنْ يَشْتَرِيَ اثْنَانِ عَيْنًا عَلَى أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَلْزَمُهُ جَمِيعُ ثَمَنِهَا فَإِنَّ ذَلِكَ خِلَافُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ فَكَانَ يَجِبُ أَنْ يَفْسُدَ الضَّمَانُ، أَوْ يَصِحَّ، وَيَفْسُدَ الشَّرْطُ، وَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا الْقِسْطُ، وَقَدْ قَالَ: يَلْزَمُهُ الْكُلُّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَفَارَقَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute