للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَنَّ الشَّرْعَ مُدَبِّرُ الْأَحْكَامِ عَلَى مَقَاصِدِ الْعُقُودِ غَالِبًا أَوْ الرِّبَا وَتَعَلَّقَ بِأَنَّ مَنْ نَذَرَ الصَّلَاةَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَصَلَّى فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ خَرَجَ عَنْ نَذْرِهِ وَبِالْعُدُولِ عَنْ زَكَاةِ الْفِطْرِ إلَى الْأَعْلَى وَبِأَنَّ تَعْيِينَ الدَّرَاهِمِ الْمُعَيَّنَةِ لِلصَّدَقَةِ لَا يُعَيِّنُهَا فَمَتَى حَصَلَ الْمَقْصُودُ لَمْ يُلْتَفَتْ لِلْمَحَلِّ وَلَا لِلْمَكَانِ، وَكَذَا الْمُودَعُ لَهُ نَقْلُ الْوَدِيعَةِ إلَى أَحْرَزَ مِمَّا عَيَّنَهُ الْمُودِعُ وَلَا يَضْمَنُ لَوْ تَلِفَ كَذَلِكَ لَيْسَ مَقْصُودُهُ الِاخْتِصَاصَ وَإِنَّمَا مَقْصُودُهُ نَشْرُ الْعِلْمِ وَإِيقَاعُ هَذِهِ الْقُرْبَةِ فِي الْجَامِعِ الَّذِي لَا اخْتِصَاصَ لَهُ بِالْوَقْفِ وَلَا بِالْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، وَمَنْ وَقَفَ عَلَى كَلَامِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيِّ بِأَنَّ لَهُ أَنَّ هَذَا الَّذِي قُلْنَاهُ مُتَعَيَّنٌ.

وَقَدْ قَالَ أَصْحَابُنَا: لَوْ أَجَّرَ أَرْضًا لِزِرَاعَةِ الْحِنْطَةِ لَهُ أَنْ يَزْرَعَ غَيْرَهَا مِثْلَهَا بَلْ يَزِيدَ وَيَتْرُكَ الْبِئْرَ وَالْمَسْجِدَ إذَا خِيفَ خَرَابُهُ مِنْ أَهْلِ الْفَسَادِ نَقَلَ وَعَمَرَ بِالتِّيهِ بِئْرٌ أُخْرَى وَمَسْجِدٌ آخَرُ، وَكَذَا الْقِدَرُ الْمَوْقُوفَةُ عَلَى الْمَدْرَسَةِ إذَا خَرِبَتْ الْمَدْرَسَةُ نَقَلْنَاهَا إلَى مَدْرَسَةٍ وَكَذَا آلَاتُ الْقَنْطَرَةِ.

(الْوَجْهُ الثَّالِثُ) أَنَّ الْوَاقِفَ ظَنَّ اسْتِمْرَارَ مَا وَقَفَهُ شَرَطَهُ فَإِذَا طَرَأَ الْخَلَلُ أَلْغَى الشَّرْطَ كَمَا قَالَ أَصْحَابُنَا: إذَا دَفَعَ الْمُكَاتَبُ النَّجْمَ الْآخَرَ فَقَالَ السَّيِّدُ: اذْهَبْ فَقَدْ أَعْتَقْتُك ثُمَّ خَرَجَ النَّجْمُ مُسْتَحَقًّا لَا يُعْتَقُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا قَالَهُ عَلَى ظَنِّ السَّلَامَةِ، وَكَذَا إذَا دَفَعَ لَهُ مَالًا بِطَرِيقِ الْمُصَالَحَةِ عَنْ دَمِهِ ثُمَّ قَالَ لَهُ: أَبْرَأْتُك وَخَرَجَ الْمَالُ مُسْتَحَقًّا رَجَعَ عَلَيْهِ بِدَيْنِهِ انْتَهَى كَلَامُهُ.

وَقَدْ اشْتَمَلَ عَلَى هَذَيَانٍ كَثِيرٍ وَفَشَارٍ غَزِيرٍ حَمَلَهُ عَلَيْهِ إمَّا حُبُّ الِاسْتِكْبَارِ وَالْفَشَارِ وَالِاسْتِظْهَارِ فِي ظَنِّهِ وَإِمَّا لِجَاهِ الْمُسْتَفْتِي وَإِمَّا مَجْمُوعُ ذَلِكَ مَعَ يَسِيرِ اشْتِغَالٍ مُتَقَدِّمٍ وَبَعْضُ ذِهْنٍ وَذَكَاءٍ عَلَى دَخْلٍ فِي التَّصَوُّرِ وَالتَّأَمُّلِ وَرُكُوبِ الْهُوَيْنَا فِي النَّظَرِ وَالتَّغَفُّلِ كَعَادَةِ كَثِيرٍ مِنْ الْمُكْتَفِينَ مِنْ الْعُلُومِ بِظَوَاهِرِهَا الْبَعِيدِينَ عَنْ أَسْرَارِهَا. وَرَأَيْت إلَى جَانِبِ خَطِّهِ خَطَّ بَعْضِ الْمُفْتِينَ بِالْجَوَازِ أَيْضًا مُعَلَّلًا بِأَنَّهُ تَعَيَّنَ طَرِيقًا فَهُوَ أَوْلَى مِنْ التَّفْوِيتِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَإِلَى جَانِبِ خَطِّهِمَا خَطُّ رَجُلٍ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَلَكِنَّهُ خَيَّلَتْ لَهُ نَفْسُهُ أَنَّهُ أَهْلُهُ كَتَبَ بِالْجَوَازِ أَيْضًا إذَا لَمْ يُمْكِنْ إقَامَةُ الدَّرْسِ بِالْجَامِعِ الْمَذْكُورِ وَقَدْ أَخْطَأَ كُلٌّ مِنْ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ.

أَمَّا الْأَوَّلُ الْمُتَشَدِّقُ فَإِنَّ الْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ فِي كَلَامِهِ يَقْتَضِيَانِ أَنَّ ذَلِكَ يَجُوزُ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَعَدَمِهَا نُقِضَ الْوَقْفُ أَوْ لَمْ يُنْقَضْ وَمَا أَبْعَدُ مِنْ خَسَارَتِهِ وَتَمَسُّكِهِ بِمَبَادِئِ الْعُلُومِ وَأَطْرَافِهَا وَقِلَّةِ بَصَرِهِ لَهَا وَقِلَّةِ دِينِهِ أَنْ يَلْتَزِمَ ذَلِكَ وَيَلْزَمُهُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ مُدَرِّسٍ وَمُعِيدٍ وَطَالِبٍ وَخَطِيبٍ وَطَالِبٍ لَهُ جَامَكِيَّةٌ عَلَى وَظِيفَةٍ فِي مَكَان أَنْ يَأْتِيَ بِهَا فِي مِثْلِهِ أَوْ أَفْضَلَ مِنْهُ وَيَتَنَاوَلُ تِلْكَ الْجَامِكِيَّةَ وَهَذَا انْحِلَالٌ عَنْ الدِّينِ وَتَسَلُّقٌ إلَى أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ وَقَوْلُهُ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ تَقْدِيمُ الرَّاجِحِ عَلَى الْمَرْجُوحِ شَقْشَقَةٌ بِكَلَامٍ صَحِيحٍ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>