للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

النَّفْيِ فَتَقْتَضِي الْعُمُومَ وَإِنَّمَا يَظْهَرُ تَرَتُّبُ الْحُكْمِ وَصِيغَةُ الْوَقْفِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ لَكِنْ لَوْ أُخِذَ بِظَاهِرِ الْعُمُومِ اقْتَضَى أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ قَبْلَ مَوْتِهِ وَلَا بَعْدَ مَوْتِهِ وَلَكِنَّا نَقْطَعُ بِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُرَادٍ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ قَبْلَ مَوْتِهِ وَعِنْدَ الْمَوْتِ لَا وَلَدَ لَهُ كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ مَنْ لَا وَلَدَ لَهُ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ فِي الْعُرْفِ وَالْحُكْمُ الثَّابِتُ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ فِي الْمَوَارِيثِ فَإِنَّ الْمُعْتَبَرَ وُجُودُ الْوَلَدِ حِينَ الْمَوْتِ لَا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ؛ وَهَذَا النَّظَرُ أَحْوَجُ إلَى النَّظَرِ فِي هَذِهِ الصِّيغَةِ وَمَدْلُولِهَا لُغَةً وَعُرْفًا.

فَنَقُولُ: الْكَلَامُ فِي الْجُمْلَةِ الشَّرْطِيَّةِ مُتَأَخِّرٌ عَنْ الْكَلَامِ فِيهَا قَبْلَ دُخُولِ الشَّرْطِ، وَالْكَلَامُ فِي الْجُمْلَةِ الْمُثْبَتَةِ فَيَجِبُ تَقْدِيمُ الْكَلَامِ فِي الْجُمْلَةِ الْمُثْبَتَةِ فَنَقُولُ: " كَانَ " إذَا كَانَتْ تَامَّةً مَعْنَاهَا وُجِدَ وَإِذَا كَانَتْ نَاقِصَةً مَعْنَاهَا اقْتِرَانُ مَضْمُونِ الْجُمْلَةِ الَّتِي دَخَلَتْ عَلَيْهَا بِالزَّمَانِ الْمَاضِي؛ وَمِمَّا يُتَفَطَّنُ لَهُ أَنَّ الْجُمْلَةَ الَّتِي تَدْخُلُ " كَانَ " عَلَيْهَا قَدْ يَكُونُ خَبَرُهَا مَاضِيًا كَقَوْلِك كَانَ زَيْدٌ قَامَ فَيَقْتَضِي تَقَدُّمَ زَمَانَيْنِ: أَحَدُهُمَا: مَضَى فِيهِ قِيَامُ زَيْدٍ. وَالثَّانِي: صَدَقَ فِيهِ الْإِخْبَارُ بِذَلِكَ وَهُوَ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ كَانَ، وَإِذَا قُلْتَ: كَانَ زَيْدٌ قَائِمًا، اقْتَضَتْ زَمَانًا يَصْدُقُ فِيهِ زَيْدٌ قَائِمٌ وَهُوَ حِكَايَةُ تِلْكَ الْحَالِ، وَإِذَا قُلْتَ: كَانَ زَيْدٌ سَيَقُومُ، اقْتَضَتْ زَمَانًا يُخْبِرُ فِيهِ عَنْ زَيْدٍ بِأَنَّهُ يَقُومُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَتَلَخَّصَ أَنَّ " كَانَ " لِحِكَايَةِ حَالِ الِاسْمِ الدَّاخِلَةِ عَلَيْهِ وَتَفُوتُ الْخَبَرِيَّةُ فِي أَحَدِ أَزْمِنَةٍ ثَلَاثَةٍ إمَّا عَلَى زَمَانِهَا أَوْ حَاصِلٌ مَعَهُ أَوْ مُسْتَقْبَلٌ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ مَاضِيًا عَنْ زَمَانِ النُّطْقِ بِهَا وَإِذَا دَخَلَ حَرْفُ الشَّرْطِ اقْتَضَى اسْتِقْبَالَ كَانَ خَاصَّةً وَأَمَّا أَزْمِنَةُ خَبَرِهَا الثَّلَاثَةُ فَعَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ.

فَإِذَا قُلْتَ: إنْ كَانَ زَيْدٌ قَائِمًا، مَعْنَاهُ إنْ ثَبَتَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مُضِيُّ قِيَامِ زَيْدٍ، وَإِذَا قُلْتَ: إنْ كَانَ زَيْدٌ سَيَقُومُ، فَمَعْنَاهُ إنْ ثَبَتَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ اسْتِقْبَالُ زَيْدٍ هَذَا فِي الْإِثْبَاتِ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُفْهَمَ مِنْ قَوْلِنَا: إنْ ثَبَتَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ تَوَقُّفُ الْحُكْمِ عَلَى تَجَدُّدٍ يَفُوتُ بَلْ مَعْنَاهُ رَبْطُ الْحُكْمِ بِتَحَقُّقِ الشَّرْطِ وَذَلِكَ يَكْفِي فِيهِ حُصُولُهُ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَبَيَّنَّ حُكْمٌ بِالْجَوَازِ حِينَ اللَّفْظِ فَعُلِمَ أَنَّ الْوُقُوعَ إنَّمَا هُوَ بِالشَّرْطِ الْمَوْجُودِ لَا مِنْ تَجَدُّدِ حُصُولِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ.

أَمَّا فِي النَّفْيِ فَإِذَا قُلْتَ: إنْ لَمْ يَكُنْ زَيْدٌ قَامَ، فَالتَّعْلِيقُ عَلَى تَحَقُّقِ عَدَمِ قِيَامِ زَيْدٍ فِي الْمَاضِي، وَإِذَا قُلْتَ: إنْ لَمْ يَكُنْ قَائِمًا فَالتَّعْلِيقُ عَلَى عَدَمِ تَحَقُّقِ قِيَامِهِ فِي الْحَالِ، وَإِذَا قُلْتَ: إنْ لَمْ يَكُنْ سَيَقُومُ، فَالتَّعْلِيقُ عَلَى تَحَقُّقِ أَنَّهُ بِصِفَةِ مَنْ لَا يَقُومُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ الْأَزْمِنَةَ الثَّلَاثَةَ لِخَبَرِ كَانَ عَلَى حَالِهَا لَا تَتَغَيَّرُ فَإِذَا قُلْتَ: إنْ لَمْ يَكُنْ لِفُلَانٍ وَلَدٌ، فَالتَّعْلِيقُ بِتَحَقُّقِ عَدَمِ الْوَلَدِ لِفُلَانٍ فِي الْحَالِ هَذَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ؛ وَقَدْ تَحْتَفُّ قَرَائِنُ تَقْتَضِي اعْتِبَارَ زَمَانٍ آخَرَ غَيْرِ الْحَالِ مِنْهَا كَالْآيَةِ الْكَرِيمَةِ {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ} [النساء: ١٢]

<<  <  ج: ص:  >  >>