لِلْأَبِ، وَإِنْ كَانَا فِي دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ لَمَّا كَانَ الشَّقِيقُ يُدْلِي بِقَرَابَةِ أَبٍ وَأُمٍّ وَالْأَخُ لِلْأَبِ يُدْلِي بِقَرَابَةِ الْأَبِ فَقَطْ، وَيَشْهَدُ لِهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْوَصِيَّةِ أَيُّهُمْ جَمَعَ قَرَابَةَ أَبٍ وَأُمٍّ كَانَ أَقْرَبَ مِمَّنْ انْفَرَدَ بِأَبٍ، أَوْ أُمٍّ.
وَعِبَارَةُ الشَّافِعِيِّ هَذِهِ تَشْمَلُ الْإِخْوَةَ وَالْأَعْمَامَ وَبَنِيهِمْ وَيُقَاسُ عَلَيْهَا مَا نَحْنُ فِيهِ، وَلَا يُرَدُّ عَلَى هَذَا قَوْلُ ابْنِ الصَّبَّاغِ أَنَّهُ إذَا أَوْصَى لِلْأَقْرَبِ وَلَهُ جَدَّتَانِ إحْدَاهُمَا مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ وَالْأُخْرَى مِنْ جِهَتَيْنِ هَلْ تُقَدَّمُ الَّتِي مِنْ جِهَتَيْنِ، أَوْ يَسْتَوِيَانِ، وَنَحْنُ لَا نُنْكِرُ جَرَيَانَ الْوَجْهَيْنِ وَلَكِنْ نَقُولُ الرَّاجِحُ مِنْهُمَا تَقْدِيمُ ذَاتِ الْوَجْهَيْنِ، وَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: إنَّهُ ذَكَرْنَاهُمَا فِي الْإِرْثِ وَالْمَذْهَبُ فِي الْإِرْثِ اسْتِوَاؤُهُمَا لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْإِرْثِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ، أَوْ نَقْصِدُ ذَاتَ الْجِهَتَيْنِ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِجَرَيَانِ ذَاتِ الْجِهَةِ الْوَاحِدَةِ فِي الْإِرْثِ وَالْمَأْخَذُ مُخْتَلِفٌ فَإِنَّ مَأْخَذَ الْإِرْثِ اسْمُ الْجَدَّةِ وَالْجُدُودَةُ مَعْنًى وَاحِدٌ، وَإِنْ كَانَ سَبَبُهُ قَدْ يَكْثُرُ وَقَدْ يَقِلُّ كَمَا أَنَّ الْأُخُوَّةَ مَعْنًى وَاحِدٌ قَدْ تَكُونُ بِأَبٍ، أَوْ بِأُمٍّ، أَوْ بِهِمَا، وَلَوْ أَوْصَى لِإِخْوَتِهِ دَخَلَ الْجَمِيعُ، وَلَوْ أَوْصَى لِأَقْرَبِهِمْ لَمْ يَدْخُلْ إلَّا ذُو الْجِهَتَيْنِ إذَا وُجِدَ فَكَذَلِكَ كَانَ الْمَذْهَبُ فِي الْمِيرَاثِ اسْتِوَاؤُهُمَا.
وَأَمَّا فِي الْوَقْفِ وَالْوَصِيَّةِ إذَا اُعْتُبِرَ الْأَقْرَبُ فَالْمَأْخَذُ مَعْنَى الْقَرَابَةِ فَمَنْ يُرَجَّحْ فِيهِ قُدِّمَ فَلَا جَرَمَ قُلْنَا: يَجِبُ تَقْدِيمُ ذِي الْقَرَابَتَيْنِ عَلَى ذِي الْقَرَابَةِ الْوَاحِدَةِ وَالْوَجْهَانِ فِي الْإِرْثِ صَحِيحَانِ وَالْوَجْهَانِ فِي الْوَصِيَّةِ صَحِيحَانِ وَالصَّحِيحُ مُخْتَلَفٌ، وَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ ابْنِ الصَّبَّاغِ مِنْ اسْتِوَائِهِمَا غَيْرُ مَقْبُولٍ، بَلْ يَجِبُ رَدُّهُ وَتَأْوِيلُهُ وَكُلُّ مَوْضِعٍ كَانَ مَعْنَى الْقَرَابَةِ وَاسْمُهَا مُعْتَبَرًا، وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مُقْتَضَى سُقُوطِ أَحَدِهِمَا وَجَبَ النَّظَرُ إلَيْهِمَا وَمِنْ ضَرُورَةِ ذَلِكَ التَّرْجِيحُ بِالْكَثْرَةِ مِنْهُمَا وَاحْتَرَزْنَا بِقَوْلِنَا، وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَا يَقْتَضِي سُقُوطَ أَحَدِهِمَا عَنْ ابْنٍ هُوَ ابْنُ ابْنِ عَمٍّ فِي الْإِرْثِ لَا نَظِيرَ إلَى بُنُوَّةِ الْعَمِّ فَقَطْعًا وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي وَقْفٍ، أَوْ وَصِيَّةٍ فَقَدْ ذَكَرْتُ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ فِيهِ احْتِمَالَيْنِ.
اخْتِيَارِي الْآنَ مِنْهُمَا التَّقْدِيمُ فَيُقَدَّمُ الِابْنُ الَّذِي هُوَ ابْنُ ابْنِ عَمٍّ عَلَى الِابْنِ الَّذِي لَا يُدْلِي إلَّا بِالْبُنُوَّةِ إذَا كَانَا فِي وَقْفٍ عَلَى أَقْرَبِ النَّاسِ إلَيْهِ وَأَقْرَبِ أَقَارِبِهِ، وَهُوَ الَّذِي ذَكَرْتُهُ مِنْ حَيْثُ الْفِقْهُ لَا شَكَّ فِيهِ، وَقَدْ وَجَدْت فِي السُّنَّةِ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ شَاهِدًا لَهُ، وَهُوَ حَدِيثُ صَدَقَةِ أَبِي طَلْحَةَ لَمَّا قَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الْأَقْرَبِينَ» فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِي أَقَارِبِهِ وَبَنِي عَمِّهِ وَأَعْطَى مِنْهَا حَسَّانَ وَأُبَيًّا، وَلَمْ يُعْطِ أَنَسًا مِنْهَا شَيْئًا وَثَلَاثَتُهُمْ مِنْ أَقَارِبِهِ وَحَسَّانُ أَلْصَقُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ ابْنُ ابْنِ عَمِّ أَبِيهِ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ لَهُ مِنْهُ بُنُوَّةُ عَمٍّ بَعِيدَةٍ وَلَكِنَّهُ ابْنُ عَمَّتِهِ أُخْتِ وَالِدِهِ كَذَلِكَ وَاعْتَبَرَ هَذِهِ الْقَرَابَةَ لَمَّا لَمْ يُمْكِنْ اعْتِبَارُ الْقَرَابَةِ الْبَعِيدَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute