وَذَلِكَ يُشْعِرُ بِأَنَّهُمَا لَوْ اسْتَوَيَا قُدِّمَ بِمَجْمُوعِهِمَا وَعَادَلَ بَيْنَ حَسَّانَ وَأُبَيٍّ بِتِلْكَ وَأَنَسٌ لَمَّا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ حَرَمَهُ.
هَذَا فِيمَا نَظُنُّهُ، وَإِنْ كَانَ يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ أَنَسًا لِبُعْدِهِ لَا يُقَالُ إنَّهُ مِنْ قَرَابَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ بِذَلِكَ، وَإِنْ جَمَعَتْهُمَا قَبِيلَةُ الْخَزْرَجِ، أَوْ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَلْزَمُهُ تَعْمِيمُ الْأَقْرَبِينَ، أَوْ أَنَّهُ لَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى الْأَقْرَبِينَ، بَلْ عَمَّمَ جَمِيعَ الْقَرَائِبِ جَوَازًا لَا وُجُوبًا وَلِذَلِكَ أَعْطَى حَسَّانَ وَأُبَيًّا، وَإِنْ لَمْ يَسْتَوِيَا حَقِيقَةً فَلِذَلِكَ لَمْ نَجْعَلْهُ دَلِيلًا جَازِمًا بَلْ قُلْنَا: إنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ شَاهِدًا. وَمَا قَدَّمْنَا كَافٍ فِي الْفَتْوَى بِمَا قُلْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى.
{فُتْيَا مِنْ حَمَاةَ} فِي وَقْفٍ وَقَفَهُ وَاقِفُهُ عَلَى الْأَسْرَى وَوَقَفَ آخَرُ وَقْفَهُ عَلَى الْأَسْرَى فَاحْتَاجَ أَحَدُ الْوَقْفَيْنِ إلَى الْعِمَارَةِ فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يُصْرَفَ فِي عِمَارَتِهِ مِنْ الْوَقْفِ الْآخَرِ.
{الْجَوَابُ} لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لَكِنْ إذَا كَانَ الْحَاكِمُ نَاظِرًا وَظَهَرَ لَهُ أَنَّ الْمَصْلَحَةَ أَنْ يَقْتَرِضَ مِنْ أَحَدِ الْوَقْفَيْنِ لِلْآخَرِ، وَلَمْ تَكُنْ حَاجَةٌ إلَى اسْتِفْكَاكِ أَسْرَى ذَلِكَ الْوَقْتِ فَيَجُوزُ أَنْ يَقْتَرِضَ مِنْهُ مَا يَعْمُرُ بِهِ وَيَرُدُّ عَلَيْهِ إذَا كَمُلَتْ الْعِمَارَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى.
{مَسْأَلَةٌ} سُئِلَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا يَقُولُ الشَّيْخُ الْإِمَامُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي مَسْأَلَةٍ اخْتَلَفَ فِيهَا فَقِيهَانِ وَهِيَ أَنَّ الْمَسْجِدَ إذَا كَانَ لَهُ مَنْ يُؤَذِّنُ بِأَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَةِ وَمَنْ يُهَيِّئُ الْقَنَادِيلَ لِلِاسْتِصْبَاحِ وَيَكْنُسُ الْمَسْجِدَ مِنْ الْغُبَارِ وَلِكُلٍّ مِنْ هَذَيْنِ عَلَى الْمَسْجِدِ جُعْلٌ فَعَجَزَ رِيعُ الْمَسْجِدِ فِي وَقْتٍ مَا عَنْ أَنْ يُوفِيَ بِجُعْلِهِمَا فَمَنْ يُقَدَّمُ مِنْ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ بِصَرْفِ جُعْلِهِ؟ فَقَالَ أَحَدُهُمْ يُقَدَّمُ الْقَيِّمُ بِالْقَنَادِيلِ وَعَلَّلَ قَوْلَهُ بِأَنَّ فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةً لِلْمَسْجِدِ إذْ هُوَ أَشْبَهُ مِنْ الْمُؤَذِّنِ بِعِمَارَةِ الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّهُ يُؤْذِنُ بِبَقَائِهِ وَتَرْكِ انْدِرَاسِهِ.
وَغَيْرُ ذَلِكَ يُؤْذِنُ بِانْقِطَاعِهِ وَخَرَابِهِ، وَقَالَ الْآخَرُ: بَلْ الَّذِي يُؤَذِّنُ بِأَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ أَوْلَى بِالْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ مِمَّنْ يَقُومُ بِالْقَنَادِيلِ، وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ إنَّ الْمَعْهُودَ مِنْ الشَّرْعِ اقْتِضَاءُ الْأَذَانِ لِلصَّلَاةِ، وَيَكْفِي فِيهِ مَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ، وَمَا تَقَرَّرَ فِي أَذْهَانِ الْمُسْلِمِينَ حِينَ صَارَ مَعْلُومًا مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ إنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَلَا كَذَلِكَ فِي اسْتِصْبَاحِ الْمَسَاجِدِ وَكَنْسِهَا إذْ الِاتِّفَاقُ لَهُ، بَلْ وَرُبَّمَا عُدَّ هَذَا مِنْ الْبِدَعِ.
وَحَاصِلُ مَا لَدَيْكَ أَنْ تَقُولَ: إنَّهُ مِنْ الْبِدَعِ الْمُسْتَحْسَنَةِ وَحِينَئِذٍ فَلَا يُعَارِضُ قَوْلُك مَا كَانَ مَشْرُوعًا فِي أَصْلِ الدِّينِ مُتَحَقِّقًا بِقَوْلِ أَهْلِ الْيَقِينِ إنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَيُؤَيِّدُ مَا قُلْته مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى قَوْلُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ تَشْرُفُ بِمُتَعَلِّقِهَا، وَلَا شَكَّ أَنَّ مُتَعَلِّقَ الدِّينِ أَشْرَفُ مِنْ مُتَعَلِّقِ الْوَقُودِ وَالْكَنْسِ إذْ هُوَ دَالٌّ عَلَى كِبْرِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَرَحْمَتِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute