وَهُوَ إنْشَاءٌ لِلْوَقْفِ وَهُوَ الْعَقْدُ الَّذِي سَمِعَهُ الشُّهُودُ مِنْ الْوَاقِفِ أَوْ يُقِرُّ بِهِ فَإِذَا ثَبَتَ عِنْدَ الْقَاضِي بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِالْإِقْرَارِ وَثَبَتَ عِنْدَ مِلْكِ الْوَاقِفِ وَحِيَازَتِهِ حُكِمَ بِصِحَّةِ الْوَقْفِ أَيْ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يُوصَفُ تَارَةً بِالصِّحَّةِ وَتَارَةً بِالْفَسَادِ وَهُمَا حُكْمَانِ شَرْعِيَّانِ يُعْتَوَرَانِ عَلَيْهِ.
وَفِي هَذَا الْمَحْضَرِ لَمْ يَثْبُتْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَلَا عِنْدَ الْحَنْبَلِيِّ الْمَذْكُورِ، وَيُطْلَقُ الْوَقْفُ عَلَى الْمَوْقُوفِ كَقَوْلِنَا هَذِهِ الدَّارُ وَقْفٌ وَالشَّهَادَةُ فِي هَذَا الْمَحْضَرِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ وَلَا تُوصَفُ بِالصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ بَلْ هُوَ إمَّا وَقْفٌ وَإِمَّا غَيْرُ وَقْفٍ فَلَيْسَ هَذَا مَحَلُّ حُكْمٍ بِالصِّحَّةِ، وَنَفَّذَ هَذِهِ الْبَعْدِيَّةَ مُسْتَنِيبُهُ، وَقَدْ ثَبَتَ عِنْدَنَا الْعَدَاوَةُ الدُّنْيَوِيَّةُ الْمَانِعَةُ مِنْ الْحُكْمِ بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالتَّوَاتُرِ الَّذِي حَصَلَ عِنْدِي الْعِلْمُ بِذَلِكَ وَمَرْسُومُ تَنْكُزُ قَبْلَ الْحُكْمِ بِأَنَّهُ لَا يَحْكُمُ الْمُسْتَنِيبُ الْمَذْكُورُ وَلَا نُوَّابُهُ وَتَنْكُزُ كَانَ نَائِبَ سَلْطَنَةٍ عَظِيمًا يَدُهُ بَاسِطَةٌ وَكَلِمَتُهُ نَافِذَةٌ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَهُ الشَّحْنَاءُ بَيْنَهُمْ وَلَا شَكَّ أَنَّ مَنْعَهُ لِلنُّوَّابِ يَجِبُ امْتِثَالُهُ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ بِدِمَشْقَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ اسْتِئْذَانُهُ فِي الِاسْتِنَابَةِ وَأَمَّا مَنْعُهُ لِلْمُسْتَنِيبِ فَقَدْ يُقَالُ بِأَنَّهُ يَجِبُ امْتِثَالُهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ وَلِيُّ أَمْرٍ وَأَيْضًا فَإِنَّ السُّلْطَانَ الْمَلِكَ النَّاصِرَ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ مَنَعَ مِنْ انْتِزَاعِ الْأَمْلَاكِ بِالْمَحَاضِرِ وَقَوَّى مَرْسُومَهُ بِذَلِكَ عَلَى سُدَّةِ الْمُؤَذِّنِينَ بِجَامِعِ دِمَشْقَ وَفِي ذَلِكَ مَنْعٌ لِلْقُضَاةِ مِنْ الْحُكْمِ بِهِ لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَنْظُرَ فِي تَارِيخِ الْمَرْسُومِ فَلَا يَكُونُ الْمَنْعُ إلَّا مِنْ ذَلِكَ التَّارِيخِ وَبِالْجُمْلَةِ لَا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ لِثُبُوتِ الْعَدَاوَةِ، ثُمَّ نَظَرْت فِي ذَلِكَ نَظَرًا آخَرَ يُغْنِي عَنْ التَّعَرُّضِ لِنَقْضِ حُكْمِ الْحُكَّامِ وَلِجَرْحِ الشُّهُودِ فَإِنِّي كُنْت وَصِيًّا عَلَى الْأَحْكَامِ فَوَجَدْتُ طَرَفًا مِنْهَا أَنَّ الْمَحْضَرَ الْمَذْكُورَ ظَهَرَ وَادَّعَى بِهِ الْبَائِعُونَ بَعْدَ بَيْعِهِمْ بِسِنِينَ فَهُمْ قَدْ بَاعُوا بِاخْتِيَارِهِمْ وَسَلَّمُوا الْمَكَانَ بِأَيْدِيهِمْ لِلْمُشْتَرِي وَثَبَتَ عِنْدَ الْحُكَّامِ الْمُتَقَدِّمِينَ مُلْكُهُمْ وَحِيَازَتُهُمْ وَبَيْعُهُمْ، وَحَكَمَ الْحُكَّامُ بِذَلِكَ فَبَيْعُهُمْ وَيَدُهُمْ وَمِلْكُهُمْ ثَلَاثَتُهَا ثَابِتَةٌ مَحْكُومٌ بِهَا وَيَدُ الْمُشْتَرِي مِنْهُمْ وُضِعَتْ بِحَقٍّ بِحُكْمِ حَاكِمٍ وَرَضِيَ الْبَائِعُ الْمُسْلِمُ فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْوَقْفِيَّةِ وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهَا مَسْمُوعَةٌ فَلَا يَحْكُمُ لَهُمْ الْحَاكِمُ الْمَذْكُورُ وَلَا مُسْتَنِيبُهُ بِأَنَّهَا وَقْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا أَنَّهَا وَقْفٌ حِينَ الْبَيْعِ وَلَا قَالَ إنَّهُ ثَبَتَ عِنْدَهُ ذَلِكَ وَإِنَّمَا حَكَمَ بِصِحَّةِ الْوَقْفِ الْمَشْرُوحِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute