للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَبُو إِسْحَاقَ يُقَدَّمُ الْحُكْمُ بِالْوَقْفِ عَلَى الْحُكْمِ بِالْمِلْكِ وَلَيْسَ هَذَا مُخَالَفَةً لِتَعَارُضِ بَيِّنَتَيْ الْمِلْكِ وَالْوَقْفِ وَإِنَّمَا تَرْجِيحٌ بِالْحُكْمِ الْمُتَقَدِّمِ وَقِيَاسُهُ فِي مَسْأَلَتِنَا تَرْجِيحُ الْحُكْمِ بِالْمِلْكِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْبِقْهُ حُكْمٌ بِخِلَافِهِ وَإِذَا ظَهَرَ تَعَارُضُ بَيِّنَتَيْ الْمِلْكِ وَالْوَقْفِ فَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي قِيَامِ الْبَيِّنَةِ الْمُعَارِضَةِ بَعْدَ الْحُكْمِ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا أَثَرَ لَهَا لِقُوَّةِ الْبَيِّنَةِ الْأُولَى بِالْحُكْمِ.

وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَكُونُ قِيَامُهَا بَعْدَ الْحُكْمِ كَقِيَامِهَا قَبْلَ الْحُكْمِ وَيُنْقَضُ الْحُكْمُ فَإِنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ فَالْحُكْمُ بِالْمِلْكِ مُسْتَمِرٌّ وَكَذَا مَا مَعَهُ مِنْ الْيَدِ وَالْبَيْعِ وَصِحَّةِ يَدِ الْمُشْتَرِي وَإِنْ قُلْنَا بِالثَّانِي بَطَلَ الْحُكْمُ بِالْمِلْكِ لِمُعَارَضَةِ بَيِّنَةِ الْوَقْفِ وَتَسَاقَطَا كَسَائِرِ صُوَرِ تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ وَتَبْقَى الْيَدُ سَالِمَةً عَنْ الْمُعَارِضِ وَهِيَ وَحْدَهَا تَقْتَضِي الْمِلْكَ وَيُسَوَّغُ الْبَيْعُ فَالْحُكْمُ بِهِمَا لَا مُوجِبَ لِنَقْضِهِ فَيَسْتَمِرُّ فَالْحُكْمُ بِإِبْطَالِ الْبَيْعِ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ، وَمِنْ الطُّرُقِ أَيْضًا الَّتِي يَجُوزُ سُلُوكُهَا فِي هَذِهِ الْوَاقِعَةِ أَنَّ الْحُكْمَ بِالْمِلْكِ يُعَارِضُ الْحُكْمَ بِالْوَقْفِ وَيُعَارِضُ الْحُكْمَيْنِ لِتَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ فَلَنَا بَعْدَ هَذَا بَحْثَانِ أَحَدُهُمَا يُقَدَّمُ السَّابِقُ وَالسَّابِقُ هُنَا هُوَ الْحُكْمُ بِالْمِلْكِ.

وَالثَّانِي أَنْ نَجْعَلَهُمَا سَوَاءً وَيَتَسَاقَطَانِ فَلَا يُحْكَمُ بِمِلْكٍ وَلَا وَقْفٍ وَتَبْقَى الْيَدُ وَالْبَيْعُ بِحَالِهِمَا لَمْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى بُطْلَانِهِمَا وَالْيَدُ كَافِيَةٌ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْمِلْكِ وَقَدْ أَزَالُوهَا بِاخْتِيَارِهِمْ وَبَاعُوهَا بِاخْتِيَارِهِمْ وَأَثْبَتُوا يَدَ الْمُشْتَرِي.

وَأَقَامُوهَا مَقَامَ أَيْدِيهِمْ بِاخْتِيَارِهِمْ فَتَسْتَمِرُّ يَدُ الْمُشْتَرِي الَّتِي أَقَامُوهَا مَقَامَ يَدِهِمْ.

وَهَذِهِ الطُّرُقُ الثَّلَاثُ الَّتِي ذَكَرْتهَا أَخِيرًا تَكْفِي فِي الْحُكْمِ لِأَوْلَادِ الْيُونِينِيّ مِنْ غَيْرِ نَقْضِ حُكْمِ حَاكِمٍ وَالْأُولَى مِنْ الثَّلَاثَةِ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ الْإِبْطَالِ وَالثَّالِثَةُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَقْضٌ مُعَيَّنٌ فَفِيهَا التَّسَاقُطُ وَهُوَ فِي مَعْنَى الْإِبْطَالِ فَالطَّرِيقَةُ الْأُولَى مِنْ الثَّلَاثَةِ هِيَ أَحْسَنُ فِي الْأَدَبِ مَعَ الْحُكَّامِ وَالشُّهُودِ وَغَيْرِهِمْ.

وَنَظَرْت فِي كُلٍّ مِنْ إسْجَالَيْ شَرَفِ الدِّينِ وَمُسْتَنِيبِهِ فَلَمْ أَجِدْ فِيهِ تَعَرُّضًا لِذِكْرِ الْبَيْعِ وَدَفْعِهِ وَالْأَلَمِ بِهِ وَهَذَا عَجِيبٌ فَإِنَّ الْحَاكِمَ إذَا لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى الْمُعَارِضِ وَيَدْفَعْهُ قَدْ يُقَالُ إنَّهُ إنَّمَا حَكَمَ لِعَدَمِ الْمُعَارِضِ فَلَوْ وَجَدْنَا الْمُعَارِضَ عِنْدَهُ لَمْ نَحْكُمْ وَلَوْ تَجَدَّدَ عِنْدَهُ الْعِلْمُ لَرَجَعَ عَنْ حُكْمِهِ.

ثُمَّ نَظَرْت فِي الْحُكْمِ بِتَسْلِيمِ ذَلِكَ إلَى مِشَدِّ الْأَوْقَافِ لِيَصْرِفَهُ لِمُسْتَحِقِّهِ فَلَمْ يَذْكُرْ أَوْلَادُ مَحْمُودٍ وَبُورِي الَّذِينَ هُمْ مُنَازَعُونَ الْآنَ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَثْبُتَ

<<  <  ج: ص:  >  >>