مُؤْمِنًا مُسْلِمًا عَلَى الْمِيثَاقِ الَّذِي أَخَذَهُ اللَّهُ عَلَى ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ «إنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ وَبَنِيهِ حُنَفَاءَ مُسْلِمِينَ» الْحَدِيثَ بِطُولِهِ فَالطِّفْلُ عَلَى الْمِيثَاقِ الْأَوَّلِ وَلَهُ مِيثَاقٌ ثَانٍ وَهُوَ قَبُولُ الْفَرَائِضِ بَعْدَ وُجُودِهِ وَأَهْلِيَّةِ التَّكْلِيفِ فَمَتَى مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ مَاتَ عَلَى الْمِيثَاقِ الْأَوَّلِ فَدَخَلَ الْجَنَّةَ وَلَا نَعْتَقِدُ أَنَّ أَصْحَابَ هَذَا الْقَوْلِ يَقُولُونَ إنَّهُ يُولَدُ مُعْتَقِدَ الْإِسْلَامِ هَذَا لَا يَقُولُهُ عَاقِلٌ وَإِنَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَجْرِي عَلَيْهِمْ حُكْمُ الْإِسْلَامِ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ حَقِيقَةً ثُمَّ نَامَ أَوْ مَاتَ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ فِي الْمِيثَاقِ الْأَوَّلِ كَمَا يَجْرِي حُكْمُ الْإِسْلَامِ غَيْرَ أَنَّ بَيْنَهُمَا فَرْقًا وَهُوَ أَنَّ الْبَالِغَ جَمِيعُ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ جَارِيَةٌ عَلَيْهِ وَالصَّبِيُّ يَجْرِي عَلَيْهِ مِنْ أَحْكَامِ أَبَوَيْهِ كَثِيرٌ وَلَا يَجْرِي عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ حُكْمِ الْإِسْلَامِ إذَا كَانَ بَيْنَ كَافِرَيْنِ.
نَعَمْ قَالَ أَحْمَدُ إذَا مَاتَ أَبُوهُ وَهُوَ حَمْلٌ ثُمَّ وُلِدَ يَكُونُ مُسْلِمًا وَإِنْ كَانَ ابْنَ كَافِرَيْنِ وَيَرُدُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ حَتَّى يُعْرِبَ عَنْهُ لِسَانُهُ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ هَذَا الْقَوْلُ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ الْفَرَائِضُ وَقَبْلَ الْأَمْرِ بِالْجِهَادِ. وَهَذَا الْقَوْلُ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ مَرْدُودٌ فَإِنَّ الْحَدِيثَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ أَسْلَمَ بَعْدَ فَرْضِ الْجِهَادِ بِمُدَّةٍ وَبَعْدَ نُزُولِ الْفَرَائِضِ، وَقَدْ وَرَدَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ يُبَيِّنُ أَنَّهُ بَعْدَ الْجِهَادِ وَهَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِمَعْنَى الْحَدِيثِ.
وَأَمَّا الْمُخْتَارُ فِي أَطْفَالِ الْمُشْرِكِينَ وَهُوَ يَتَعَلَّقُ بِمَعْنَى الْحَدِيثِ أَيْضًا فَاعْلَمْ أَنَّ لِلْعُلَمَاءِ فِي أَطْفَالِ الْمُشْرِكِينَ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ (أَحَدُهَا) وَهُوَ يُرْجَى مِنْ فَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا} [الإسراء: ١٥] {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الإسراء: ١٥] وَلِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ سَمُرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ رُؤْيَا النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِيهَا «وَالشَّيْخُ الَّذِي فِي أَصْلِ الشَّجَرَةِ إبْرَاهِيمُ وَالصِّبْيَانُ حَوْلَهُ أَوْلَادُ النَّاسِ» وَبِهَذَا احْتَجَّ النَّوَوِيُّ وَقَالَ الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ أَنَّهُمْ مِنْ أَهْل الْجَنَّةِ، وَكَذَا قَالَ غَيْرُ النَّوَوِيِّ أَيْضًا وَوَرَدَتْ أَحَادِيثُ أُخْرَى مُصَرِّحَةٌ بِأَنَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ لَكِنْ فِي أَسَانِيدِهَا ضَعْفٌ.
وَفِي حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ كِفَايَةٌ مَعَ ظَاهِرِ الْقُرْآنِ، وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «أَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ خَدَمُ أَهْلِ الْجَنَّةِ» .
(الْقَوْلُ الثَّانِي) أَنَّهُمْ فِي النَّارِ تَبَعًا لِآبَائِهِمْ كَمَا تَبِعَ أَوْلَادُ الْمُؤْمِنِينَ آبَاءَهُمْ فِي الْجَنَّةِ وَنَسَبَ النَّوَوِيُّ هَذَا الْقَوْلَ إلَى الْأَكْثَرِينَ وَفِي هَذِهِ النِّسْبَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute