الْإِقْرَارِ بِالْإِيدَاعِ بِأَنْ قَالَ أَوْدَعْتَنِيهِ لِلْوَرَثَةِ فَهَلْ نَقُولُ الْقَوْلُ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَوْ ادَّعَاهُ لِنَفْسِهِ قُبِلَ، وَمَنْ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي شَيْءٍ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي صِفَتِهِ وَقَدْ أَقَرَّ بِالْإِيدَاعِ عَلَى صِفَةٍ، أَوْ نَقُولُ قَوْلُهُ سُمِعَ فِي الْإِيدَاعِ فَثَبَتَ حَقُّهَا وَنَحْتَاجُ إلَى إخْرَاجِ الْمِلْكِ عَنْهَا إلَى بَيِّنَةٍ وَهُوَ مَحَلُّ نَظَرٍ، وَقَدْ وَقَعَتْ لِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَرَّةً فِي الْوَاقِعَةِ وَمَرَّةً فِي شَخْصٍ تُوُفِّيَ قَالَ شَخْصٌ إنَّهُ سَلَّمَنِي هَذَا الْمَالَ وَقَالَ هُوَ لِوَالِدَتِي وَمِلْت إلَى قَبُولِ قَوْلِهِ وَاخْتِصَاصِ الْأُمِّ بِهِ عَنْ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ لِعَدَمِ مُنَازَعَةِ الْمَيِّتِ وَقَوْلُ ذِي الْمَيِّتِ مَقْبُولٌ مَا لَمْ يُنَازِعْهُ مَنْ اسْتَفَادَ الْيَدَ مِنْ جِهَتِهِ كَمَا إذَا كَانَ فِي يَدِهِ عَيْنٌ فَقَالَ إنَّهَا لِفُلَانٍ وَإِنَّهُ وَكِيلٌ فِي بَيْعِهَا جَازَتْ مُعَامَلَتُهُ فِيهَا وَشِرَاؤُهَا مِنْهُ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ عَلَى الْمُوَكِّلِ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ يَرْجِعُ فِيهَا إلَى الْعَامِلِ صَاحِبِ الْيَدِ لَكِنْ لَوْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَأَنْكَرَ التَّوْكِيلَ قُبِلَ قَوْلُهُ وَبَطَلَ الْبَيْعُ لِلِاعْتِرَافِ لَهُ بِالْمِلْكِ، وَالْمَيِّتُ لَيْسَ مُنَازِعًا وَقِيَامُ وَرَثَتِهِ فِي الْمُنَازَعَةِ مَقَامَهُ فِيهَا نَظَرٌ فَلِذَلِكَ مِلْتُ إلَى قَبُولِ قَوْلِ الْوَصِيِّ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي دَفْعِهَا إلَى وَالِدَتِهِ، وَلَسْتُ جَازِمًا بِذَلِكَ، وَقَدْ رَأَيْتُ فِي رَوْضَةِ الْحُكَّامِ لِشُرَيْحٍ الرُّويَانِيِّ أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي يَدِ رَجُلٍ مَالُ الْمَيِّتِ. فَقَالَ: أَوْصَى إلَيَّ رَبُّ الْمَالِ أَنْ أَصْرِفَهُ فِي كَذَا فَهَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ؟
فِيهِ وَجْهَانِ، وَهَذَا كَلَامُ شُرَيْحٍ الرُّويَانِيِّ وَيُسْتَأْنَسُ بِهِ لِمَا قُلْنَاهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إيَّاهُ، هَذَا فِي مَسْأَلَةِ الْمَيِّتِ وَمَسْأَلَتُنَا هَذِهِ الْوَاقِعَةُ رُتْبَةً بَيْنَ الرُّتْبَتَيْنِ تُفَارِقُ مَسْأَلَةَ الْمَيِّتِ لِأَنَّ الْمُودِعَةَ هُنَا بَاقِيَةٌ مُنَازِعَةٌ وَتُفَارِقُ مَسْأَلَةَ الْوَكِيلِ لِاعْتِرَافِ الْمُوَكِّلِ لِلْمِلْكِ بِالْمُدَّعِي، وَهُنَا الْمُودَعُ لَا يَعْتَرِفُ لِلْمُودِعَةِ بِالْمِلْكِ؛ فَلِذَلِكَ أَنَا مُتَوَقِّفٌ فِيهَا.
وَهَذِهِ فَائِدَةٌ أَبْدَيْتُهَا لَا احْتِيَاجَ إلَيْهَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ لِقِيَامِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهَا بِمَا يَقْتَضِي أَنَّهَا تَرِكَةٌ فَلَا الْتِفَاتَ إلَى مُنَازَعَتِهَا.
فَالْحُكْمُ بِكَوْنِ هَذَا الْمَالِ إرْثًا عَنْ الزَّوْجِ لَهَا وَلِابْنِهَا وَلِبَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ فِي مَحَلِّ الِاحْتِمَالِ إذَا حَكَمَ بِهِ نَائِبِي أَوْ غَيْرُهُ مِنْ حُكَّامِ الْمُسْلِمِينَ نَفَذَ حُكْمُهُ وَإِنَّمَا لَمْ أَقْطَعْ بِهِ لِقَوْلِ الْمُودَعِ: إنَّهَا قَالَتْ لَهُ قَبْلَ قَوْلِهَا لِلشُّهُودِ الثَّانِيَةِ إنَّهُ لِابْنِهَا كَمَا ادَّعَى أَنَّ شُهُودَ الْإِيدَاعِ شَهِدُوا بِهِ وَلَوْ ظَهَرَ ذَلِكَ الْإِشْهَادُ كَفَى وَلَكِنَّهُ لَمْ يَحْضُرْ وَفِي قَبُولِ قَوْلِ الْمُدَّعَى عَلَيْهَا مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ النَّظَرِ، وَإِذَا كَانَ أَهْلًا لِقَبُولِ شَهَادَتِهِ جَازَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهَا بِذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ خَصْمًا، وَيَحْلِفَ ابْنُهَا مَعَهُ إذَا بَلَغَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute