الحمد لله الذي خلق الانسان وأمدّه بالفضل والإحسان، وجعل منه من طلب العلم والبيان، فكان له الحظ العظيم والذكر حسب الإمكان، ومن تركه كان حظه الإهمال والنسيان. والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد سيد ولد عدنان، الذي أمرنا بطلب العلم والعرفان، على ممرّ الأوقات والأزمان، وعلى آله وأصحابه العلماء الأعيان، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم العرض أمام الملك الديان.
أما بعد، فان من أجل العلوم نفعا، وأكبرها موقعا، علم تاريخ الأمم والأجيال، فان العالم يتطلبه على اختلاف أنواعه ومشاربه، والجاهل يتخذه سلوة وموعظة، فهو محبوب عند الطائفتين، متناول عند الفئتين، لا يمل كل منهما مراجعته والاطلاع عليه، لأن بمعرفته يظهر تاريخ البلاد ومجدها وعظمتها وأصالتها في الحضارة والعمران، وأما البلاد التي لا يعرف تاريخها وتراجم علمائها ورجالها فتكون مجهولة بين الأمم. وكان علم التاريخ على اختلاف أنواعه في أول الدولة الإسلامية يعدّ من أول العلوم معرفة، فقد كان أسلافنا رحمهم الله من أشد الناس اعتناء به، والكتب المؤلفة في هذا العلم شاهدة على ذلك فهي لا تعد ولا تحصى.
ولما دخلت الدولة الإسلامية في طور التدهور تركت معرفة التاريخ إلا ما قل. ولا شك أنه من أسس قوام الدولة وأسباب نهوضها ورقيها، وصار هذا العلم يعد عندهم من الأمور الثانوية التي لا يعتد بها ولا يلتفت إليها ولا يتوقف عليها، خصوصا في مغربنا العزيز حتى صار حامله ينعت بأنه يعرف علم الخرافات لا يعبأ به ولا يقام له وزن ولا يعد من العلماء. وبالرغم على هذا كله والحمد لله يوجد في كل وقت من يقوم بواجبه رغم الصعوبات التي يتقلب فيها.
وقد قسم العلماء علم التاريخ إلى أقسام متعددة وأنواع مختلفة لا نطيل بتعداها، وألفوا في كل نوع من أنواعه تأليف متعددة. وكان من أقسامه المتميزة وفيات لأفراد الذي وصفوا بالعلم أو بالشجاعة أو الوظائف العالية إلى غير ذلك من الأمور التي توجب للفرد ذكرا في تاريخ البلاد وبين طيات الحوادث المهمة التي مرت في الأزمان الغابرة. وكان من أول من قاموا بجمع هذا النوع في الدولة الإسلامية الفقيه المؤرخ أحمد بن حسن القسمطيني المعروف بابن