جرت عادة بعض المؤلفين أن يذكروا نبذة عن حياتهم في آخر بعض مؤلفاتهم إظهارا للحقيقة واعترافا بما منّ الله عليهم به في هذه الحياة، وليس القصد افتخارا أو إعجابا بالنفس. وجريا على هذه العادة المالوفة أردت أن أشير في آخر هذا الفهرس (١) إلى الحياة التي عشتها في هذا العالم المضطرب، لأني ما عقلت الحياة إلا ويد الاستعمار تفتك بهذا الشعب الكريم للقضاء على وحدته وقوميته وديانته وأخلاقه، ولعل ساعة الفرج قد دقّت في هذه الأيام الأخيرة.
فكاتبه هو عبد السلام بن عبد القادر بن محمد بن عبد القادر بن الطالب بن محمد -فتحا-ابن سودة. يتصل نسبه بأبي القاسم بن محمد بن علي ابن سودة القادم من جزيرة الأندلس من مدينة غرناطة أواسط المائة الثامنة حيث مقر أسلافه منذ قدموا إليها من الشرق مع بلج بن بشر القشيري أوائل القرن الثاني من الهجرة. وقدم أبو القاسم المذكور إلى المغرب ليكون كاتبا في بلاط بني مرين بفاس وقد ترجم له ذو الوزارتين لسان الدين محمد ابن الخطيب السلماني في كتابه الإحاطة في أخبار غرناطة ووصفه بأوصاف حسنة من الناحية العلمية والأدبية، وحلاه في نسبه بالمرّي، ومرّة توجد بين قبائل العرب، وقد حمل هذا النسب إلى المغرب أولاده من بعده لأنه الجدّ الجامع لأولاد ابن سودة الموجودين بالمغرب. ثم إن البعض منهم صار يضيف في نسبه القرشي زيادة على المري، وقد احتج على ذلك بأن لفظ المرّي عند العرب لا تنصرف عند الإطلاق إلاّ إلى مرة قريش. وعلى كل لا نطيل في هذا الموضوع لأن عهد الافتخار بالأنساب قد ولى إلى غير رجعة، وحسب الرجل أن يكون مسلما عاملا لدينه ووطنه، والافتخار بالنسب من شأن العاجز، على أنه إن بقيت بقية من ذلك فالعروبة ثابتة لأولاد ابن سودة من قديم الأزمان في الأندلس والمغرب. وهذه القبيلة التي وجدت نفسي أحد أفرادها خدمت العلم الإسلامي طوال أجيال، ووجد بها عدة فحول من العلماء الأفذاذ الذين وصفوا بالعلم والمقدرة والمناصب العالية من تدريس وخطابة وقضاء وغير ذلك، وألّفوا تآليف
(١) كتب المؤلف ترجمته في آخر فهرسه سل النصال فارتأينا أن نعيد نشرها هنا لمزيد من التعريف به.