للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولما شاع خبر وفاته وقع إغلاق جميع الحوانيت بالدار البيضاء وجميع محلات البيع والشراء كيف ما كان نوعها بأسرع ما يكون وفي الغد شيعت جنازته، وقد شاهدتها لأني كنت يومئذ بالدار البيضاء، فقد مرّت الجنازة في سيارة وبعدها سيارات أقاربه وأصدقائه وعائلته، وبعد ذلك صفوف من النساء ماشيات على الأقدام خمسة منهنّ في الصف دام ذلك أكثر من ساعة زمانية، ثم الرجال خمسة في الصف كذلك وبقى مرورهم أكثر من ساعة ونصف، ثم أصحاب الدراجات وبقى مرورهم ما يقرب من نصف ساعة ثم أصحاب الدراجات النارية، ثم أصحاب السيارات ثم أصحاب الكامونيات وفي كل نوع مروره أكثر من نصف ساعة وكان الموقف رهيبا، مما يدل على أن المغرب قد استرجع وعيه وقوته واجتمعت كلمته ودخل في طور العمل.

وما انتهى الاستعراض ذلك اليوم إلاّ بعد الساعة الثالثة ونحن نقضي لذلك العجب.

وقد بلغني أن الحكومة منعت الناس من المرور بالجنازة في بعض الشوارع الكبرى لادعائها أن الأوربين يتأثرون لذلك حيث يرون هذا المشهد المؤثر!

[محمد بن المفضل ابن جلون الجبينة]

وفي يوم الأحد خامس جمادى الثانية عامه توفي الحاج محمد بن المفضل بن محمد بن جلون دعي الجبينة. تقدمت وفاة والده عام اثنين وعشرين وثلاثمائة وألف. كان أحد المثرين بفاس ميالا إلى المستعمر، ثم وقع له إفلاس في ماله حتى اضطر إلى بيع داره وأصبح خليفة باشا فاس، وأخيرا ذهب إلى الدار البيضاء وعين أمينا لمرساها إلى أن توفي بها. وهو والد المخلص الكبير وزير المالية حاليا عبد القادر ابن جلّون وفي المثل العامي (من الشوكة كتولّد الوردة).

المنوّر ابن العالم

وفي يوم الأربعاء بعده توفي المنوّر بن العالم الوجدي، قاضي ملحقة احفير مدة. كان يعدّ من العلماء وأهل الفضل والدين. توفي هناك.

[إدريس بن عبد العالي الإدريسي]

وفي أوائل رجب عامه ضرب إدريس بن عبد العالي الإدريسي بيد الفدائيين بالدار البيضاء بعدة طلقات نارية أردته قتيلا من حينه. وهذا الرجل أصله من سكان الرباط كان والده يعرف بالشرف عندهم وينتسب إلى المولى إدريس بن إدريس، وكان عندهم معظما محترما، فلما ترعرع الولد إدريس المذكور ادّعى المشيخة وأسس طريقة بقبيلة زعير سميت الطريقة العالية، أيّدها رجال الاستعمار وأسس زاوية بعاصمة الرباط، وأخرى بالدار البيضاء، يقوم فيهما بضروب من الشعوذة لضعاف العقول حتى صارت تحكى عنه كرامات وخوارق عادات.

ولما رأى ذلك منه جلالة الملك محمد الخامس جمع علماء العدوتين وعلماء المشور السعيد فأفتوا بأن أعماله كلها شيطانية، فأمر بسد زاويته التي بالرباط فذهب إدريس إلى البيضاء واستوطنها وصار يتابع عمله بدون حياء.

<<  <  ج: ص:  >  >>