وفي رابع عشر محرم موافق حادي عشر يناير سنة أربع وأربعين وتسعمائة وألف قدم الوطنيون إلى جلالة الملك محمد الخامس وإلى ممثل فرنسا وإلى دول الحلفاء عريصة تطالب باستقلال المغرب، وطيلة شهر يناير من هذه السنة والوفود من مختلف أنحاء المغرب ترد على قصر جلالة الملك بالرباط حاملة عرائض التأييد مدلية بمئات الآلاف من الإمضاءات.
ولما رأت الإدارة ذلك أجابت عن ذلك يوم تاسع وعشري يناير المذكور باعتقال الحاج أحمد بلافريج الأمين العام بتهمة غريبة وهي الاتصال بالعدو الألماني، وكذلك محمد اليزيدي وغيرهما من أكابر الوطنيين. فقامت عدة مظاهرات عنيفة بفاس والرباط وسلا وغيرها من مدن المغرب. وأسفرت المظاهرات عن مئات من القتلى وعدد كبير من الجرحى، ووقع اعتقال أزيد من خمسة آلاف وطني شخص في مختلف بوادي المغرب وحواضره، وكابد الوطنيون أشد أنواع العذاب والحرمان في معسكرات الاعتقال الفرنسي، وحكم على بعضهم بالإعدام ونفذ ذلك صبيحة يوم عيد المولد النبوي الشريف، وحكم على عدة أفراد بالأشغال الشاقة وأرغم وزيران على استقالتهما وهما محمد بن العربي العلوي وزير العدل وأحمد بن عبد الرحمان بركاش وزير الأحباس، وأوقف على العمل الإداري كلّ من تشمّ منه رائحة الوطنية.
وفي صباح يوم الخميس ثاني وعشرى منه أصبح منشورا في الجرائد باللغة الفرنسية أن المقيم العام أذاع خطابا مضمنه أن طلب الاستقلال لا مبرر له، وأن فرنسا ما زالت لم تستكمل مهمتها بالمغرب وأن حماية ثلاثين سنة لا تكفي للمغرب في نهوضه وعلى أن فرنسا كانت تفكر في إصلاح المحاكم العدلية وإصلاح المحاكم البدوية وإصلاح التلعيم والفلاحة ومن الآن فصاعدا شرعت في إصلاح ذلك تحت مراقبة أربع لجن لكل لجنة سلطتها في حدود اختصاصها.
[حزب الاستقلال وحزب الشورى والاستقلال]
وفي هذه المدة الأخيرة أبدل كلّ من الحزبين الوطنيين اسمهما، فالحزب الذي كان يرأسه الأستاذ محمد علال الفاسي سمي نفسه حزب الاستقلال؛ والحزب الذي يرأسه الأستاذ محمد ابن الحسن الوزاني سمي نفسه حزب الشورى والاستقلال، واشتهر كل منهما باسمه الجديد.