للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

آخر فتكون في الرفيق الأعلى وهي متصلة بالبدن بحيث إذا سلَّم المسلَّم على صاحبها رد عليه السلام وهي في مكانها هناك، وهذا جبريل عليه السلام رآه النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم وله ستمائة جناح منها جناحان قد يد بهما ما بين المشرق والمعرب، وكان يدنو من النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم حتى يضع ركبتيه على ركبتيه ويديه على فخذيه، وقلوب المخلصين تتسع للايمان بأن من الممكن أنه كان يدنو هذا الدنو وهو في مستقره من السماوات، وعلى هذا يحمل تنزله تعالى إلى السماء الدنيا ودنوه عشية عرفة ونحوه، فهو منزه عن الحركة والانتقال، وإنما يأتي الغلط هنا من قياس الغائب عيى الشاهد فيعتقد أن الروح من جنس ما يعهد من الأجسام التي إذا اشغلت مكانا لم يمكن أن تكون في غيره وهذا غلط محض، وقد رأى النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم موسى عليه السلام ليلة الاسراء قائمًا يصلي في قبره ورآه في السماء السادسة أو السابعة، فاما أن تكون سرعة الحركة والانتقال كلمح البصر، وإما أن يكون المتصل بها بالقبر بمنزلة شعاع الشمس يكون في الأرض وحرمها في السماء، وهذا (قول ابن عبد البر) بعينه فإنه قال أرواح الشهداء في الجنة وأرواح عامة المؤمنين على أفنية قبورها لا أنها لا تلزم ولا تفارق أفنية القبور (كما قال مالك) "بلغنا أن الأرواح تسرح حيث ئاءت" وروى ابن منده من حدث عيسى بن عبد الرحمن، أخبرنا بن شهاب حدثنا عامر بن سعد عن اسماعيل بن طلحة بن عبد الله عن أبيه قال أردت مالي بالغابة فأدركني الليل فأويت إلى قبر عبد الله ابن عمرو بن حرام (١) فسمعت قراءة من القبر ما سممعت أحسن منها فجئت إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فذكرت ذلك له فقال ذلك عبد الله؛ ألم تعلم أن الله قبض أرواحهم فجعلها في قناديل من زبرجد وياقوت، ثم علقها وسط الجنة، فإذا كان الليل ردت إليهم أرواحهم فلا تزال كذلك حتى إذا طلع الفجر ردت أرواحهم إلى مكانها التي كانت فيه، وقد ثبت أن روح النائم تصعد حتى تخترق السبع الطباق وتسجد لله، ثم ترد إلى جسده في أيسر زمان (وقال عكرمة ومجاهد) إذا نام الانسان فان له سببا تجري فيه الروح وأصله في الجسد فيبلغ حيث شاء الله فما دام ذاهبا فالانسان نائم، فاذا رجع إلى البدن انتبه الانسان وكان بمنزلة شعاع الشمس وأصله متصل بالشمس، وذكر ابن منده عن بعض العلماء أن الروح تمتد من منخره


(١) هو والدجابر بن عبد الله رضى الله عنهما، معدود فى أهل العقبة وبدر، وكان من النقباء واستشهد باحد، وهو الذى قال النبى صلى الله عليه وسلم لابنه جابر يا جابر - أما علمت أن الله عز وجل أحيا أباك فقال له تمنَّ علىَّ، فقال اردّ الى الدنيا فاقتل مرة أخرى، فقال انى قضيت الحكم أنهم اليها لا يرجعون، رواه الامام أحمد، وهو الذى ظللته الملائكة بأجنحتها حينما خرَّ صريعًا إلى أن رفعوه، وسيأتى كل ذلك فى مناقبه من كتاب الصحابة إن شاء الله تعالى

<<  <  ج: ص:  >  >>