للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأصله في بدنه، فلو خرج بالكلية لمات، كما أن السراج لو فرق بينه وبين الفتيلة لطفئت، ألا ترى أن مركز النار في الفتيلة وضوءها بملا البيت، فالروح تمتد من منخر الانسان في منامه حتى تأتي السماء وتجول البلدان، فاذا كان الرجل عاقلا ذكيا صدوقا لا يلتفت في يقظته لإلى شيء من الباطل رجع اليه روحه فأدى إلى قلبه الصدق مما أراه الله، وإذا كان خفيفًا ورجعت اليه روحه فحيث مما رأى شيئا من مخاريق الشيطان وأباطيله وقفت روحه عليه فلا تؤدي إلى قلبه ولا يعقل ما رأى لأنه يخلط الحق بالباطل، وهذا من أحسن الكلام، وأنت ترى الرجل يسمع الذكر والحكمة ثم يمر بباطل ولهو فيصغى اليه ويفتح له قلبه حتى يتأدى اليه فيتخبط عليه ذلك الذي كان حقظه (وأما بعد المفارقة) فتعذب الروح بتلك الاعتقادات والشبه الباطلة التي كانت حفظتها حال اتصالها بالبدن مضافا إلى عذب آخر ينشئه الله تعالى لها من الأعمال التي اشتركت معه فيها، وهي العيشة الضنك، حتى لربما كانت في حفرة من حفر النار، والروح الزكية العلوية تنعم بتلك الاعتقادات الصحيحة والمعارف التي تلقتها من مشكاة النبوة وبتلك الأرادات والهمم السنية، وينشئ الله لها من أعمالها نعيما آخر فيصير لها روضة من رياض الجنة (وما ذكر من شأن الروح) يختلف بحسب حال الأرواح من القوة والضعف والكبر والصغر، فللروح العظيمة الكبيرة من ذلك ما ليس لمن هو دونها، وأنت ترى أحكام الأرواح في الدنيا كيف تتفاوت أعظم تفاوت بحسب حال الأرواح في كيفياتها وقواها وابطائها واسراعها، وللروح المطلقة من أسر البدن وعوائقه من التصرف والقوة ما ليس للمحبوسة في علائقه (وقال جماعة من الصحابة والتابعين) منهم عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، ولعله مما تلقاه من أهل الكتاب أن أروح المؤمنين بالجابية (١) وأرواح الكفار ببرهوت، بئر بحضرموت نقله ابن منده، فلا التفات الى قول ابن حزم أنه انما هو قول الرافضة وروى ابن منده عن علي رضي الله عنه قال (خير بئر في الأرض زمزم وشر بئر في الأرض برهوت "بئر في حضرموت"

وخير واد في الأرض وادي مكة والوادي الذي أهبط فيه آدم بالهند، وشر واد في الأرض الأحقاف وهو في حضرموت ترده أرواح الكفار) ومن وجه آخر أنه قال (أبغض بقعة في الأرض واد بحضرموت يقال له برهوت فيه أرواح الكفار) وفيه بئر ماؤها أسود كأنه قبح يرده الهوام، ثم ساق عن اسماعيل بن اسحاق القاضي. أخبرنا علي بن عبد الله أخبرنا سفيان حدثنا ابان بن ثعلب قال قال رجل بت ليلة بوادي برهوت فكأنما حشرت فيه أصوات الناس وهم يقولون يا دومه يا دومة وحدثنا رجال من أهل الكتاب أن دومة هو


(١) هي قرية بدمشق جيدة الهواء، كثيرة الأشجار والثمار والأنهار

<<  <  ج: ص:  >  >>