للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قوله فيستعير اليه صويحبه ليس نصا فى أن المراد به الميت، بل يحتمل أن يراد به صاحبه الحى، وأن الميت يعذب حيمئذ ببكاء الجماعة عليه (قال) ويحتمل أن يجمع بين هذه التوجيهات فينزل على اختلاف الأشخاص بأن يقال مثلا من كانت طريقته النوح فمشى أهله على طريقته أو بالغ فأوصاهم بذلك عذب بصنعه، ومن كان ظالما فندب فأفعاله الجائزة عذب بما ندب به، ومن كان يعرف من أهله النياحة فأهمل نهيهم عنها فان كان راضيا بذلك التحقق بالأول، وإن كان غير راض عذب بالتوبيخ كيف أهمل النهى، ومن سلم من ذلك كله واحتاط فنهى أهله عن المعصية ثم خالقوه وفعلوا ذلك كان تعذيبه تألمه بما يراه منهم من مخالفة أمره وإقدامهم على معصية ربهم، والله تعالى أعلم بالصواب (قال وحكى الكرمانى) تفصيلا آخر وحسنه، وهو التفرقة بين حال البرزخ وحال يوم القيامة، فيحمل قوله تعالى {ولا تزر وازرة وز أخرى} على يوم القيامة، وهذا الحديث وما أشبهه على البرزخ، ويؤيد ذلك أن مثل ذلك يقع فى الدنيا والأشارة اليه بقوله تعالى {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة} فانها دالة على جواز وقوع التعذيب على الأنسان بما ليس له فيه تسبب، فكذلك يمكن أن يكون الحال فى البرزخ بخلاف يوم القيامة، والله أعلم اهـ (وقال الشوكانى) أنت خبير بأن الآية عامة، لأن الوزر المذكور فيها واقع فى سياق النفى والأحاديث المذكورة فى الباب مشتملة على وزر خاص، وتحصيص العمومات القرآنية بالأحاديث الآحادية هو المذهب المشهور الذى عليخ الجمهور، فلا وجه لما وقع من ردّ الأحاديث بهذا العموم، ولا ملجئ إلى تجشم المضايق لطلب التأويلات المتبعدة باعتبار الآية (وأما ما روته عائشة) عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال ذلك فى الكافر أو فى يهودية معينة فهو غير مناف لرواية غيرها من الصحابة، لأن روايتهم مشتملة على زيادة؛ والتنصيص على بعض أفراد العام لا يوجب نفى الحكم عن بقية الأفراد لما تقرر فى الأصول من عدم صحة التخصيص بموافق العام، والأحاديث التى ذكر فيها تعذيب مختص بالبرزخ أو بالتألم أو بالاستعبار كما فى حديث قيلة لا تدل على اختصاص التعذيب المطلق فى الأحاديث بنوع منها، لأن التنصيص على ثبوت الحكم لشئ دون مشعر بالاختصاص به لا ينافى ثبوته لغيره، فلا إشكال من هذه الحيثية، وإنما الأشكال فى التعذيب بلا ذنب؛ وهو مخالف لعدل الله وحكمته على فرض عدم حصول سبب من الأسباب التي يحصن عندها فى مقتضى الحكمة كالوصية من الميت بالنوح وإهمال نهيهم عنه والرصا به، وهذا يؤول إلى مسألة التحسين والتقبيح، والخلاف فيها بين طوائف المتكلمين معروف، ونقول ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الميت يعذب ببكاء أهله عليه، فسمعنا وأطعنا ولا نزيد على هذا اهـ (فائدة) حكى النووى فى المجموع إجماع العلماء على اختلاف مذاهبهم أن المراد بالبكاء الذي يعذب

<<  <  ج: ص:  >  >>