مما سبق يتبين بطلان أدلة المخالفين وذلك لأن هذه الآية خاصة، والخاص مقدم على العام، أما من جهة أن لفظ {الْمُؤْمِنَاتِ} أنها على وجه الفاضل، ولا يمنع عداها فذلك لا يصح القول به لأن الله صرح بهذ القيد في الأيامى، وذاك لا ينطبق على أيامى أهل الكتاب فإنه لم يبح نكاحهن، مع أنه سبحانه أباح نكاح نساء أهل الكتاب، وأما من جعل من موانع الاعتبار بهذ المفهوم كون الكلام خرج مخرج الغالب فالصحيح أنه ليس كذلك لأنه قد كثر أيضا النكاح من إماء أهل الكتاب أيضا. (١)
فيتبين بعد ذلك سلامة استنباط السمعاني ومن وافقوه من قبله ومن بعده، والله أعلم.
(١) انظر: أحكام القرآن للكيا الهراسي (٢/ ٤٢٦)، واللباب في علوم الكتاب (١/ ١٤٤٢)، وحاشية الشهاب الخفاجي (٣/ ١٢٥). وقد رد ابن العربي على قول أبي حنيفة الذي يبطل دلالة مفهوم الخطاب قائلا: " ليس هذا استدلالا بدليل الخطاب من أربعة أوجه: الأول: أن هذا استدلال بالتعليل، فإن الله تعالى ذكر الإيمان في نكاحهن، وذكر الصفة في الحكم تعليل، كما لو قال: أكرموا العالم واحفظوا الغريب، لكان تنصيصا على الحكم، وعلى علته، وهي العلم والغربة، فيتعدى الإكرام لكل عالم وغريب، ولا يتعدى إلى سواهم، الثاني: أن الله تعالى قال: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ}، فكان هذا تعليلا يمنع من النكاح في المشركات. الثالث: أن الله تعالى قال: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ}، فإذا لم يكن الإيمان شرطا في الإحلال ولا العفة تبين أن المراد بالإحصان هاهنا الحرية. الرابع: أن الله قال في الآية: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ} فلينكح الفتيات المؤمنات، فالإحصان هاهنا في الحرية قطعا، فنقلناه من حرة مؤمنة إلى أمة مؤمنة، وقال في آية أخرى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ}. أحكام القرآن لابن العربي (٢/ ٢٩٥).