حتى أفضحك بمكة، فجاءه أبو البختري بن هاشم بن الحارث بن أسد فقال: ما لك وله؟ فقال: يحمل الطعام إلى بني هاشم، فقال له أبو البختري: طعام كان لعمته عنده بعثت به إليه أتمنعه أن يأتيها بطعامها؟ خل سبيل الرجل؛ فأبى أبو جهل ذلك حتى نال أحدهما من صاحبه، فأخذ أبو البختري لحي بعير فضربه وشجه، ووطئه وطئا شديدا، وحمزة بن عبد المطلب قريب يرى ذلك وهم يكرهون أن يبلغ ذلك رسول الله (ص) وأصحابه فيشمتوا بهم) (١).
ونحن إذن أمام ظاهرة هؤلاي الخمسة الذين انبثقوا من المجتمع الجاهلي، صحيح أنهم لم يكونوا على مستوى بني هاشم وبني عبد المطلب، لكنهم استطاعوا أن يرفعوا هذه الظلامة وهذا الحيف عن المسلمين وأنصارهم وحلفائهم وخططوا له ونجحوا به.
والذي نود الإشارة إليه أن كثيرا من النفوس والتي تبدو في ظاهر الأمر من أعمدة الحكم الجاهلي، قد تملك في أعماقها رفضا لهذا الظلم والبغي، وتستغل الفرصة السانحة لمواجهته، وواجب الدعوة إلى الله أن ترصد هذه النوعيات، وتنفذ إلى أعماقها، وتشرح لهم قضيتها، وتفضح الحقد الذي يحرك خصومها، فقد تستطيع من خلالها أن تغير وضعا كاملا، أو تهيئ لانقلاب في الأوضاع والأشخاص يجعل الدعاة إلى الله والدعوة من أمن وحرية وقوة. تعجز من خلال المواجهة المباشرة عن تحقيقه.