حليف قريش لا يجير على صميمها. ثم بعثه إلى سهيل بن عمرو (١) ليجيره. فقال: إن بني عامر بن لؤي لا تجير بني كعب بن لؤي. فبعثه إلى المطعم بن عدي ليجيره. فقال: نعم! قل له فليأت .. فذهب إليه رسول الله (ص)، فبات عنده تلك الليلة، فلما أصبح خرج معه هو وبنوه ستة، أو سبعة، متقلدي السيوف جميعا، فدخلو المسجد وقال لرسول الله (ص): طف. واحتبوا بحبائل سيوفهم في المطاف، فأقبل أبو سفيان إلى مطعم فقال: أمجير أم تابع؟ قال: بل مجير. قال: إذا لا تخفر. فجلس معه حتى قضى رسول الله (ص) طوافه، فلما انصرف انصرفوا معه، وذهب أبو سفيان إلى مجلسه. قال: فمكث أياما، ثم أذن في الهجرة، فلما هاجر رسول الله (ص) إلى المدينة توفي المطعم بن عدي من بعده بيسير، فقال حسان بن ثابت: والله لأرثينه، فقال فيما قال:
فلو كان مجد خلد اليوم واحدا ... من الناس نحى مجده اليوم مطعما
أجرت رسول الله منهم فأصبحوا ... عبادك ما لبى محل وأحرما
فلو سئلت عنه معد بأسرها ... وقحطان أو باقي بقية جرهما
لقالوا هو الموفي بخفرة جاره ... وذمته يوما إذا ما تجشما
وما تطلع الشمس المنيرة فوقهم ... على مثله فيهم أعز وأكرما
إباء إذا يأبى وألين شيمة ... وأنوم عن جار إذا الليل أظلما
(١) سهيل بن عمرو من بني عامر بن لؤي وهو بعيد في النسب، ولهذا قال: إن بني عامر لا تجير على بني كعب، وكان محببأ سهلا في قومه، وهو الذي قال عنه الرسول (ص) يوم الحديبية: لقد أرادت قريش الصلح حيث بعثت بهذا.