للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

منه رحلا فقال لعازب: ابعث ابنك يحمله معي، قال: فحملته معه، وخرج أبي ينتقد ثمنه، فقال له أبي يا أبا بكر حدثنا كيف صنعتما حين سريت مع رسول الله (ص)؟ قال:

نعم أسرينا ليلتنا من الغد حتى قام قائم الظهيرة، وخلا الطريق لا يمر فيه أحد، فرفعت لنا صخرة طويلة لها ظل لم تأت عليه الشمس فنزلنا عنده وسويت للنبي (ص) مكانا بيدي فنام عليه وبسطت عليه فروة وقلت: نم يا رسول الله وأنا أنفض من حولك، فنام، وخرجت أنفض (١) ما حوله، فإذا أنا براع يقبل بغنمه إلى الصخرة يريد منها مثل الذي أردنا. فقلت: لمن أنت يا غلام؟ قال: لرجل من أهل المدينة أو مكة، قلت: أفي غنمك لبن؟ قال: نعم. قلت: أفتحلب؟ قال:

نعم، فأخذ شاة فقلت: انفض الضرع من التراب والشعر والقذى، قال: فرأيت البراء يضرب إحدى يديه على الأخرى ينفض، فحلب في قعب (٢) كثبة (٣) من لبن، ومعي إداوة حملتها للنبي (ص) يرتوي فيها، يشرب ويتوضأ، فأتيت النبي (ص)، فكرهت أن أوقظه، فوافقته حين استيقظ، فصببت من الماء على اللبن حتى برد أسفله، فقلت:

اشرب يا رسول الله، قال: فشرب حتى رضيت ثم قال: ((ألم يأن الرجل؟)) قلت: بلى. قال: فارتحلنا بعدما زالت الشمس، واتبعنا سراقة بن مالك. فقلت: أتينا يا رسول الله (ص) فقال: ((لا تحزن إن الله


(١) أنفض من حوله: أحرس وأطوف حولك.
(٢) القعب: القدح الصغير.
(٣) كثبة من لبن: قليل منه.

<<  <   >  >>