فشربنا ما شئنا من لبن. وما في الحاضر أحد يحلب قطرة ولا يجدها، فيقولون لرعاتهم: ويلكم ألا تسرحون حيث يسرح راعي حليمة، فيسرحون في الشعب الذي يسرح فيه رأعينا.
قالت: وكان - صلى الله عليه وسلم - يشب في اليوم شباب الصبي في شهر، ويشب في الشهر شباب الصبي في سنة. فبلغ ستا وهو غلام جفر (١). قال: فقدمنا أمه، فقلنا لها: وقال لها أبوه: لو تركت بني عندي حتى يغلظ. فإنا نخشى عليه وباء مكة. قالت: ونحن أضن بشأنه لما رأينا من بركته، فلم نزل بها حتى قالت: ارجعا به، فرجعنا به، فمكث عندنا شهرين. قال: فبينا هو يلعب وأخوه يوما خلف البيوت يرعيان بهما لنا إذ جاءنا أخوه يشتد فقال لي ولأبيه: أدركا أخي القرشي. قد جاءه رجلان فأضجعاه فشقا بطنه. فخرجنا نحوه نشتد، فانتهينا إليه وهو قائم منتقع لونه، فاعتنقه أبوه واعتنقته. ثم قلنا: ما لك أي بني. قال:
أتاني رجلان عليهما ثياب بيض فأضجعاني ثم شقا بطني، فوالله ما أدري ما صنعا. قالت: فاحتملناه فرجعنا به. قالت: يقول أبوه: والله يا حليمة ما أرى هذا الغلام إلا قد أصيب، فانطلقي فلنرده إلى أهله قبل أن يظهر به ما نتخوف عليه. قالت: فقلت: لا والله إنا كفلناه وأدينا الحق الذي يجب علينا فيه، ثم تخوفت الأحداث عليه. فقلت: يكون في أهله. قالت: فقالت أمه: والله ما ذاك بكما فأخبراني خبركما وخبره. قالت: فوالله ما نالت بنا حتى أخبرناها خبره فقالت:
(١) جفر: الصبي إذا انتفخ لحمه وأكل. وستا هنا- والله أعلم- المقصود ستة أشهر، وإن كانت في رواية ابن هشام فلم يبلغ سنتين.