للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الله غير معلومة، فالجنة وما فيها من النعيم نعرف معانيها ولا نعرف حقائقها.

وهم لما كان عندهم أن إثبات الصفات ومعانيها يلزم منه مشابهة المخلوقات فروا من ذلك بنفي حقائق الصفات (١).

يقول الإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري (٣١٠ هـ) في إثبات الصفات لله ﷿ على الحقيقة مع نفي المماثلة للمخلوق: " فإن قال لنا قائل: فما الصواب في معاني هذه الصفات التي ذكرت، وجاء ببعضها كتاب الله ﷿ ووحيه، وجاء ببعضها رسول الله ؟ قيل: الصواب من هذا القول عندنا: أن نثبت حقائقها على ما نعرف من جهة الإثبات ونفي التشبيه، كما نفى عن نفسه جل ثناؤه فقال: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى: ١١] " إلى أن قال: "فنثبت كل هذه المعاني التي ذكرنا أنها جاءت بها الأخبار والكتاب والتنزيل على ما يُعقل من حقيقة الإثبات، وننفي عنه التشبيه" (٢).

وقال الإمام أبو أحمد محمد بن علي بن محمد الكرجي المعروف بالقصاب (٣) (٣٦٠ هـ) في الاعتقاد القادري الذي كتبه لأمير المؤمنين القادر بأمر الله سنة ٤٣٣ هـ ووقَّع على التصديق على ما فيه علماء ذلك الوقت، وأرسلت هذه الرسالة القادرية إلى البلدان. قال: " لا يوصف إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به نبيه، وكل صفة وصف بها نفسه، أو وصفه بها نبيه، فهي صفة حقيقية لا صفة مجاز، ولو كانت صفة مجاز لتحتم تأويلها، ولقيل: معنى البصر كذا، ومعنى السمع كذا، ولفسرت بغير السابق إلى الأفهام، فلما كان مذهب السلف إقرارها بلا تأويل، علم أنها غير محمولة على المجاز، وإنما هي حق بيّن " (٤).

وقال الإمام الحافظ أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن منده (٣٩٥ هـ) في إثبات صفة


(١) انظر: مقالة التشبيه وموقف أهل السنة منها: ١/ ٨٦ - ٩١.
(٢) التبصير في معالم الدين: ١٤١ - ١٤٥.
(٣) أحمد محمد بن علي بن محمد الكرجي، الغازي المجاهد، وعرف بالقصّاب لكثرة ما قتل من الكفار في مغازيه، له عدة مصنفات، عاش إلى حدود ٣٦٠ هـ. انظر: سير أعلام النبلاء ١٦/ ٢١٣، وتذكرة الحفاظ ٣/ ٩٣٨، والوافي بالوفيات ٤/ ١١٤.
(٤) المنتظم في حوادث سنة ٤٣٣ هـ، وسير أعلام النبلاء: ١٦/ ٢١٣، وانظر: الاعتقاد القادري للشيخ عبد العزيز آل عبد اللطيف في مجلة جامعة أم القرى لعلوم الشريعة واللغة العربية وآدابها، ج ١٨، ع ٣٩، ذو الحجة ١٤٢٧ هـ.

<<  <   >  >>