للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الدخان: ٣] فبقي الإجمال في ماهية هذه الليلة، ومقدار بركتها، فجاء البيان في سورة أخرى، وهو قوله تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (١) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (٢) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (٣)[القدر: ١ - ٣].

ج- أن يكون له عدة معان وليس معه ما يبين مراد المتكلم، يقول ابن القيم : "فهذا الأخير للتأويل فيه مجال واسع، وليس في كلام الله ورسوله من هذا النوع شيء من الجمل المركبة، وإن وقع في الحروف المقطعة المفتتح بها السور" (١). فظهر بهذا:

١ - أنه لا تأويل في المنصوص وهو المسمى بواضح الدلالة.

٢ - أن الظاهر يمتنع تأويله إلا بما يوافق عرف المتكلم وعادته المطردة.

٣ - أن المجمل لابد أن يكون له مبين ويتعين المصير إليه.

٤ - أنه لا يوجد في النصوص المتضمنة للمطالب الشرعية نص مجمل غير مبين.

الضابط الثاني: أن يحتمل اللفظ المؤول المعنى المصروف إليه عن ظاهره في ذلك التركيب الذي وقع فيه، وإلا كان تحريفاً وكذباً على اللغة، فإن اللفظ قد لا يحتمل ذلك المعنى لغة، وقد يحتمله لغة ولا يحتمله في ذلك التركيب الخاص، ولصحة التأويل لابد من اجتماع الأمرين معاً.

الضابط الثالث: أن يقوم دليل على أن المتكلم أراد المعنى المصروف إليه اللفظ عن ظاهره؛ ذلك لأن الأصل في الكلام هو الحقيقة والظاهر فلا يجوز العدول به عن حقيقته وظاهره إلا بدليل أقوى يسوغ إخراج الكلام عن أصله، قال شيخ الإسلام ابن تيمية موضحاً هذا الضابط والذي قبله: "والمتأول عليه وظيفتان: بيان احتمال اللفظ للمعنى الذي ادعاه، وبيان الدليل الموجب للصرف إليه عن المعنى الظاهر" (٢).

وقال ابن القيم: "فمن عرف مراد المتكلم بدليل من الأدلة وجب اتباع مراده، والألفاظ لم تقصد لذواتها، وإنما هي أدلة يستدل بها على مراد المتكلم، فإذا ظهر مراده ووضح بأي طريق


(١) الصواعق المرسلة: ١/ ٢٩٢، ٣٨٩.
(٢) مجموع الفتاوى: ١٣/ ٢٨٨.

<<  <   >  >>