للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كان عمل بمقتضاه" (١).

الضابط الرابع: ألا يعود التأويل على أصل النص الشرعي بالإبطال، وذلك كتأويلهم قوله تعالى: ﴿وَجَاءَ رَبُّكَ﴾ [الفجر: ٢٢] بقولهم: وجاء أمر ربك، فإن هذا خبر صريح من الله بمجيئه هو مجيئاً يليق بجلاله، فتأويله بمجيء غيره بلا دليل إبطال لهذا النص الشرعي.

الضابط الخامس: أن يكون المعنى المصروف إليه عن ظاهره بما تجوز نسبته إلى الشارع، لأن المتأول يخبر عن مراد الشارع، ولذا يقول بعض العلماء: "التأويل صرف الآية إلى معنى موافق لما قبلها وبعدها تحتمله الآية غير مخالف للكتاب والسنة من طريق الاستنباط" (٢).

الضابط السادس: الجواب عن المعارض؛ لكي يكون التأويل صحيحاً لابد من الجواب عن المعارض، فإن مدعي الحقيقة والظاهر قد أقام الدليل العقلي والسمعي على إرادة الحقيقة والظاهر، أما العقلي فمن وجهين عام وخاص: فالعام هو الدليل الدال على كمال علم المتكلم، وكمال بيانه، وكمال نصحه، والدليل الدال على ذلك أقوى بكثير من الشبه الخيالية التي يستدل بها المؤولة. وأما الخاص فإن كل صفة -مثلاً- وصف الله بها نفسه، أو وصفه بها رسوله فهي صفة كمال قطعاً فلا يجوز تعطيل صفات كماله وتأويلها بما يبطل حقائقها، وذلك يقال في جميع النصوص الطلبية والخبرية، وأما الأدلة السمعية القاضية بأصالة الحقيقة والظاهر فتقارب ألف دليل كما يقول ابن القيم (٣) فعلى المتأول أن يجيب عن ذلك كله وهيهات.

هذه الضوابط إذا تحققت ساغ التأويل وكان صحيحاً، وإلا فلا، قال الآمدي: "وإذا عرف معنى التأويل فهو مقبول معمول به بشروطه، ولم يزل علماء الأمصار في كل عصر من عهد الصحابة إلى زمننا عاملين به من غير نكير" (٤).

ثالثا: قول الكاتب "وأما قول بعض الوهابية إن الآيات المتشابهات التي ظواهرها أن الله


(١) أعلام الموقعين: ١/ ٢١٨.
(٢) كشف الظنون: ١/ ٣٣٥.
(٣) انظر: الصواعق المرسلة: ١/ ٢٩٤.
(٤) الإحكام في أصول الأحكام: ٣/ ٥٠. وانظر: الفصل في الملل والأهواء والنحل: ٢/ ٩٦، جناية التاويل الفاسد على العقيدة الإسلامية: ١٢ - ١٧.

<<  <   >  >>