للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القسم الثاني: إن كان مما لا يقدر عليه إلا الله تعالى: فهذا من الشرك الأكبر وهذا ما يفعله المشركون الأولون والآخرون كما قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾ [الزمر: ٣]. أي ما نعبد تلك الآلهة مع الله إلا لتشفع لنا عند الله، وتقربنا عنده منزلة، فكفروا بذلك؛ لأن الشفاعة لله وحده قال تعالى: ﴿قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا﴾ [الزمر: ٤٤] (١).

فتبين مما سبق أن الشفاعة منها ما هو مثبت، ومنها ما هو منفي، وأن طلبها من الحي الحاضر فيما يقدر عليه جائزة.

ثم قول الكاتب: "ولا توجد شفاعة منفية، لأننا لو قلنا بشفاعة منفية لكان معناه أن يشفع من لا تجوز شفاعته فترد تلك الشفاعة، ويستحيل حدوث ذلك في الآخرة. ولكن الشفاعة لا تكون إلا بشروط".

فهذا تناقض من الكاتب؛ فإنه إذا قلنا لا يشفع أحد إلا بعد أن يؤذن له في الشفاعة كما ذكر ذلك في شروط الشفاعة، فإنه لن يشفع من لا تجوز شفاعته.

وإذا قلنا أنه لا تصح الشفاعة إلا بشروط؛ فماذا نسمي الشفاعة التي لم تتحقق فيها هذه الشروط؛ أليست تسمى شفاعة منفية؟!.

أما تفسير الكاتب لقوله تعالى: ﴿وَلَا شَفَاعَةٌ﴾، بأنه يوم القيامة لا شفاعة، فهذا صحيح؛ لأنه لا شفاعة للكفار ولا في الكفار (٢)، وهذا دليل على طلب الشفاعة من الكفار؛ لكنها لا تكون لهم لعدم توفر شروطها، وهذه هي الشفاعة المنفية.

رابعا: أن طلب الشفاعة من النبي في الآخرة، من الشفاعة الجائزة من الحي الحاضر، وقد أذن الله له أن يشفع، وهي كرامة له. وحقيقة هذه الشفاعة هي أنه يشفع لجميع الخلق حين يؤخر الله الحساب فيطول بهم الانتظار في أرض المحشر يوم القيامة فيبلغ بهم من الغم


(١) وانظر: مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين: ٢/ ٤٤، ٥/ ٦١، وشرح العقيدة الواسطية للفوزان: ١٢١، وتوضيح مقاصد العقيدة الواسطية: ١٨٦، وفتاوى اللجنة الدائمة: ١/ ٥٢١، ٣/ ٤٧٠.
(٢) إلا ما استثني من الشفاعة العامة لفصل القضاء، وشفاعة النبي في عمه أبي طالب أن يخفف عنه العذاب.

<<  <   >  >>