للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالكفر، وإنما يحكمون عليه بالفسق ونقص الإيمان، ما لم يستحل ذنبه؛ لأن الله- يقول: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (٤٨)[النساء: ٤٨].

ويقول سبحانه: ﴿قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٥٣)[الزمر: ٥٣].

جاء في بيان هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية برئاسة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز عن التكفير: " ..... وقد يرد في الكتاب والسنة ما يفهم منه أن هذا القول أو العمل أو الاعتقاد كفر، ولا يكفر من اتصف به لوجود مانع يمنع من كفره، وهذا الحكم كغيره من الأحكام التي لا تتم إلا بوجود أسبابها وشروطها وانتفاء موانعها، كما في الإرث سببه القرابة مثلاً، وقد لا يرث بها لوجود مانع كاختلاف الدين، وهكذا الكفر يكره عليه المؤمن فلا يكفر به، وقد ينطق المسلم بالكفر لغلبة فرح أو غضب أو نحوهما، فلا يكفر بها لعدم القصد، كما في قصة الذي قال: «اللهم أنت عبدي وأنا ربك» (١) أخطأ من شدة الفرح.

وإذا مات العبد على ذنب- دون الشرك- لم يستحله؛ فأمره إلى الله تعالى، إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له؛ خلافًا للفرق الضالة التي تحكم على مرتكب الكبيرة بالكفر، أو بالمنزلة بين المنزلتين (٢).

فتكفير المعين إذا أنكر معلوما من الدين بالضرورة؛ كالصلاة، أو الزكاة أو الصوم بعد البلاغ واجب، وينصح، فإن تاب وإلا وجب على ولي الأمر قتله كفرا، ولو لم يشرع تكفير المعين عندما يوجد منه ما يوجب كفره ما أقيم حد على مرتد عن الإسلام" (٣).

فمذهب أهل السنة وسط بين من يقول: لا نكفر من أهل القبلة أحدا، وبين من يكفر المسلم بكل ذنب دون النظر إلى توفر شروط التكفير وانتفاء موانعه، فهم يطلقون التكفير على العموم، ولكن تحقق التكفير على المعين لا بد له من توفر شروط، وانتفاء موانع، أما تكفير غير


(١) صحيح مسلم، كتاب التوبة، باب في الحض على التوبة والفرح بها، برقم: ٢٧٤٧.
(٢) انظر: قضية التكفير بين أهل السنة وفرق الضلال في ضوء الكتاب والسنة: ٥٢، ١٠١، ١١٦.
(٣) فتاوى اللجنة الدائمة: ٢/ ١٤٠.

<<  <   >  >>