للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يراد به أمران متفق عليهما بين المسلمين، أحدهما: هو أصل الإيمان والإسلام وهو التوسل بالإيمان به وبطاعته، والثاني: دعاؤه، وشفاعته، وهذا أيضاً نافع يتوسل به من دعا له وشفع فيه باتفاق المسلمين، فمن أنكر التوسل به بأحد هذين المعنيين، فهو كافر مرتد يستتاب، فإن تاب، وإلا قتل مرتداً، ولكن التوسل بالإيمان به، وبطاعته هو أصل الدين، وهذا معلوم بالاضطرار من دين الإسلام للخاصة والعامة، فمن أنكر ذلك فكفره ظاهر، للخاصة والعامة، وأما دعاؤه وشفاعته، وانتفاع المسلمين بذلك، فمن أنكره فهو أيضاً كافر لكن هذا أخفى من الأول، فمن أنكره عن جهل عُرّف ذلك، فإن أصر على إنكاره، فهو مرتد .... والثالث: التوسل به بمعنى الإقسام على الله بذاته والسؤال بذاته؛ فهذا هو الذي لم تكن الصحابة تفعله" (١).

فهذه النصوص واضحة أن شيخ الإسلام يفرق في مسألة تكفير المعين بين مسائل يسميها ظاهرة، وصاحبها كفره معلوم للعامة والخاصة، وبين مسائل خفية مثل لها شيخ الإسلام بأمثلة، وصاحبها قد يكون مخطئاً ضالاً لا يكفر لخفاء المسألة، وأن ما خفيت فيه طرق العلم من المسائل، فقد يعفى عنه بخلاف ما كان من دعائم الدين من الأخبار والأوامر.

خامسا: أن أئمة الدعوة بينوا كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في هذه المسألة بيانا واضحا، يقول الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب مبيناً أن شيخ الإسلام ابن تيمية يفرق في مسألة تكفير المعين بين المسائل الظاهرة والمسائل الخفية، وأن المراد من الامتناع من تكفير المعين قبل بلوغه الحجة: "وهذا صفة كلامه في المسائل في كل موضع وقفنا عليه من كلامه، لا يذكر عدم تكفير المعين إلا ويصله بما يزيل الاشكال، وأن المراد بالتوقف عن تكفيره قبل أن تبلغه الحجة، وأما إذا بلغته الحجة حكم عليه بما تقتضيه تلك المسألة من تكفير، أو تفسيق أو معصية، وصرح أن كلامه في غير المسائل الظاهرة، فقال في الرد على المتكلمين، لما ذكر أن بعض أئمتهم توجد منه الردة عن الإسلام كثيراً، قال: وهذا إن كان في المقالات الخفية، فقد يقال إنه فيها مخطئ ضال، لم تقم عليه الحجة التي يكفر تاركها، لكن هذا يصدر عنهم في أمور يعلم الخاصة والعامة من المسلمين، أن رسول الله بعث بها، وكفر من خالفها" (٢).


(١) مجموع الفتاوى: ١/ ١٥٣، ٢٠١ - ٢٠٢، قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة: ١٦، ٨٦ - ٨٧.
(٢) الدرر السنية: ٩/ ٤٠٥ - ٤٠٦، وانظر: مفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد (مجموع مؤلفات الشيخ): ١/ ٢٩٠.

<<  <   >  >>