ولا بأس بمن تحققت منه شيئاً من ذلك، أن تقول: كفر فلان بهذا الفعل، .... ولا مانع من تكفير من اتصف بذلك، كما أن من زنى قيل: فلان زان، ومن رابى: قيل: فلان مراب" (١).
الحادي عشر: أن أئمة الدعوة يفصلون التأصيل ما بين الكفر الظاهر والكفر الباطن، ومن جهة الواقع يفرقون في التطبيق على المعين، فإذا أتى للتأصيل قالوا لمن وقع في الكفر: هو كافر سواء كان كفره عن إعراض وجهل، أو كان كفره عن إباء واستكبار، وإذا أتى التطبيق على المعين أطلقوا الكفر على من أقيمت عليه الحجة الرسالية البينة الواضحة، وأما من لم تقم عليه الحجة فتارة يطلقون عليه الكفر، وتارة لا يطلقون عليه.
قال الشيخ صالح آل الشيخ حفظه الله: "فإن المتلبس بالشرك يُقال له مشرك سواءً أكان عالما أم كان جاهلاً، والحكم عليه بالكفر يتنوع:
فإن أقيمت عليه الحجة؛ الحجة الرسالية من خبير بها ليزيل عنه الشبهة وليُفهمه بحدود ما أنزل الله على رسوله التوحيد وبيان الشرك فتَرَك ذلك مع إقامة الحجة عليه فإنه يُعدّ كافراً ظاهراً وباطناً.
وأما المعرض فهنا يعامل في الظاهر معاملة الكافر، وأما باطنه فإنه لا نحكم عليه بالكفر الباطن إلا بعد قيام الحجة عليه؛ لأنه من المتقرر عند العلماء أن من تلبس بالزنا فهو زان، وقد يؤاخذ وقد لا يؤاخذ، إذا كان عالماً بحرمة الزنا فزنى فهو مؤاخذ، وإذا كان أسلم للتو وزنى غير عالم أنه محرم فالاسم باق عليه؛ لكن -يعني اسم الزنا باق أنه زانٍ واسم الزنا عليه باق- لكن لا يؤاخذ بذلك لعدم علمه. وهذا هو الجمع بين ما ورد في هذا الباب من أقوال مختلفة.
فإذن يفرق في هذا الباب بين الكفر الظاهر والباطن، والأصل أنه لا يُكَفَّر أحد إلا بعد قيام الحجة عليه لقول الله -جل وعلا-: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾ [الإسراء: ١٥]، والعذاب هنا إنما يكون بعد إقامة الحجة على العبد في الدنيا أو في الآخرة، قد يُعامل معاملة الكافر استبراء للدين وحفظاً له، من جهة عدم الاستغفار له، ومن جهة عدم التضحية له، وألاّ يزوج
(١) الدرر السنية: ١٠/ ٤١٦، ٤٠٤. وانظر: منهاج التأسيس: ٩٩، ١٠١، والضياء الشارق في رد شبهات الماذق المارق: ٦٥٢.