للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كذلك حال مسلم متلبس بأمور شركية قد شاب عليها الصغير وهرم عليها الكبير، وجماهير علماء القرون المتأخرة لا يشددون فيها، ثم يأتي عالم أو طالب علم فينصح الناس فينكرون عليه إما لأنه لم يحسن أسلوب النصح أو لم يحسن في توضيحه حجته، أو أن مقابله له حجج وشبه لم تُحل، أو يقلد عالماً كبيراً على خطئه، أو عنده غباء وبلادة لم يفهم معها الحجة.

فكيف يقال مع هذا إن مجرد قراءة القرآن كافية في إقامة الحجة؟! هذا ما قاله أحد من قبل، فإنه لا يوجد أحد من المسلمين ينكر القرآن، إنما الشأن في فهم حجته ودلالته على المطلوب" (١).

ويقول رعد النعيمي البغدادي - بعد أن نقل كلام الإمام محمد بن عبد الوهاب في بيان أن قيام الحجة نوع، وبلوغها نوع، وأن الإشكال عندهم في عدم التفريق بين قيام الحجة وفهم الحجة -: "القول بأن قيام الحجة لا يتضمن فهمها، بل هو مجرد بلوغها قول غير صحيح من وجوه:

الأول: فهم الحجة نوعان:

الأول: هو فهم معناها ومقصودها وهو فهم التبيين، كما في قوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ﴾ [إبراهيم: ٤]، وقوله تعالى: ﴿وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾ [النور: ٥٤]، وقوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ﴾ [التوبة: ١١٥]. ولا شك أن عدم الفهم ينافي المقصود من التبيين الذي أرسلت به الرسل.

والنوع الثاني: هو فهم الهداية والتوفيق، كما في قوله تعالى: ﴿فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [البقرة: ٢١٣]، وقوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا﴾ [الإسراء: ٤٦]، وقوله تعالى: ﴿وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا (٤٥)[الإراء: ٤٥]، وقوله تعالى:


(١) مباحث في العذر بالجهل: ٢٨٥ - ٢٨٧.

<<  <   >  >>