للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الكتاب والسنة حجة التوحيد أو في غيره أرجح وأقوى وأظهر وأبين أو هي الحجة الداحضة لحجج الآخرين، وهذا النوع لا يشترط؛ لأنه جل وعلا بين لنا وأخبر أن المشركين لم يفقهوا الحجة فقال جل وعلا: ﴿وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ﴾ [الأنعام: ٢٥]، وقال سبحانه: ﴿وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا﴾ [الكهف: ١٠١]، وقال: ﴿أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ﴾ [الفرقان: ٤٤]، فهم لا يسمعون سمَعَ فائدة، وإن سمعوا سمَعَ أُذُن ولا يستطيعون أن يسمعوا سَمَع الفائدة؛ وإن كانوا يسمعون سَمَع الأذن، وقد قال جل وعلا: ﴿وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (٢٣)[الأنفال: ٢٣]، وقال سبحانه: ﴿مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (٢)[الأنبياء: ٢]، ﴿إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ﴾ حتى وصفهم بأنهم يستمعون وليس فقط يسمعون بل يستمعون يعني ينصتون ومع ذلك نفى عنهم السمع بقوله: ﴿وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا﴾ [الكهف: ١٠١]، وبقوله: ﴿أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ﴾ [الفرقان: ٤٤]، وقوله جل وعلا في سورة تبارك: ﴿وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (١٠)[الملك: ١٠] " (١).

فالنصوص الشرعية تدل على أنهم فهموا معاني الآيات؛ ولكنهم اعرضوا عنها تكبرا وعنادا ورغبة عن الحق، فعاقبهم الله بسب إعراضهم (٢)، قال الله تعالى: ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (٥)[الصف: ٥]، وقال تعالى: ﴿وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١١٠)[الأنعام: ١١٠]، وقال تعالى: ﴿وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ (٨٨)[البقرة: ٨٨].

ثانيا: أن منهج الإمام محمد بن عبد الوهاب في هذه المسألة التفريق بين قيام الحجة وفهم الحجة، وكذا التفريق بين المسائل الخفية والمسائل الظاهرة (٣)، وسبق بيان ذلك في الدعوى


(١) شرح كشف الشبهات: ٣٧٧ - ٣٧٩.
(٢) انظر: تفسير الطبري: ٢/ ٣٢٨ - ٣٢٤، ١٢/ ٤٥، ٢٣/ ٣٥٨، وتفسير ابن كثير: ١/ ٣٢٥، ٢/ ٣١٧.
(٣) وللعلماء في التعبير عن المسائل التي يعذر فيها والتي لا يعذر فيها تعبيرات مختلفة، فمنهم من عبر بقوله: لا يسع المكلف جهلها، ومنهم من قال: ما علم من الدين بالضرورة، ومنهم من قال: مسائل لا يصلح العذر فيها. انظر: عارض الجهل وأثره على أحكام الاعتقاد: ٤١ - ٤٢.

<<  <   >  >>