للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

السابعة من هذا الفصل، وقد قال أيضا : "فإن الذي لم تقم عليه الحجة هو الذي حديث عهد بالإسلام، والذي نشأ ببادية بعيدة، أو يكون ذلك في مسألة خفية، مثل الصرف، والعطف، فلا يكفر حتى يُعرَّف، وأما أصول الدين التي أوضحها الله، وأحكمها في كتابه فإن حجة الله هو القرآن، فمن بلغه القرآن فقد بلغته الحجة، ولكن أصل الإشكال أنكم لم تفرقوا بين قيام الحجة وبين فهم الحجة، فإن أكثر الكفار والمنافقين من المسلمين لم يفهموا حجة الله مع قيامها عليهم، قال تعالى: ﴿أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (٤٤)[الفرقان: ٤٤] " (١).

ثالثا: أن الله ﷿ أخبر عن الكفار أن سبب أعراضهم عن الدين هو الطغيان وليس عدم فهم الحجة، وذلك أن عظماء قريش كانوا يوصفون بالأحلام والعقول، فأزرى الله بعقولهم حين لم يتميز لهم معرفة الحق من الباطل (٢)، فقال تعالى: ﴿أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ (٣٢)[الطور: ٣٢]، قال ابن جرير : " يقول تعالى ذكره: أتأمر هؤلاء المشركين أحلامهم بأن يقولوا لمحمد : هو شاعر، وأن ما جاء به شعر ﴿أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ﴾، يقول جلّ ثناؤه: ما تأمرهم بذلك أحلامهم وعقولهم بل ﴿هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ﴾ قد طغوا على ربهم، فتجاوزوا ما أذن لهم، وأمرهم به من الإيمان إلى الكفر به" (٣).

قال الزجاج : "والمعنى: أتأمرهم أحلامهم بترك القبول ممن يدعوهم إلى التوحيد ويأتيهم على ذلك بالدلائل، أم يكفرون طغيانا وقد ظهر لهم الحق؟! " (٤). وهذا نص صريح في أن المراد ترك القبول للحق طغيانا وليس عن عدم فهم الحجة.

وقال القرطبي : " (أم) بمعنى بل، أي بل كفروا طغيانا وإن ظهر لهم الحق. وقيل


(١) مؤلفات الشيخ: ٧/ ٢٤٤.
(٢) انظر: تفسير البغوي: ٤/ ٢٩٤.
(٣) جامع البيان: ٢٢/ ٣٤.
(٤) معاني القرآن وإعرابه: ٥/ ٦٥. وانظر: زاد المسير: ٤/ ١٧٩.

<<  <   >  >>