للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لعمرو بن العاص: ما بال قومك لم يؤمنوا وقد وصفهم الله بالعقل؟ فقال: تلك عقول كادها الله، أي لم يصحبها بالتوفيق. وقيل: ﴿أَحْلَامُهُمْ﴾ أي أذهانهم، لأن العقل لا يعطى للكافر ولو كان له عقل لآمن. وإنما يعطى الكافر الذهن فصار عليه حجة. والذهن يقبل العلم جملة، والعقل يميز العلم ويقدر المقادير لحدود الأمر والنهي" (١).

ولذلك لما دعاهم النبي إلى قول "لا إله إلا الله" عرفوا معناها، وقالوا: ﴿أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (٥)[ص: ٥] (٢).

وهود لما دعا قومه، وقال لهم: ﴿قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ (٦٥)[الأعراف: ٦٥]، عرفوا معناها، وقالوا: ﴿أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٧٠)[الأعراف: ٧٠]. والآيات في هذا كثيرة، تدل على أن المشركين فهموا خطاب الأنبياء، ولكنهم لم يستجيبوا لهم.

رابعا: أن الإمام لا ينفي في قيام الحجة اشتراط الفهم الناشاء عن العجز مع بذل الوسع الذي اشترطه العلماء لقيام الحجة، وإنما ينفي في قيام الحجه اشتراط فهم الانتفاع الناشئ عن الإعراض عن النصوص، والتفريط فى طلب الحق، واتباع الهوى (٣).

قال ابن حزم بعد أن ذكر من وقع في المخالفة الكفرية: " إن كان جاهلا أو متاولا فهو معذور لا شيء عليه ويجب تعليمه، فإذا قامت عليه الحجة من القرآن والسنن فخالف ما فيهما عنادا فهو كافر يحكم عليه بحكم المرتد. وأما من قال أن الله ﷿ هو فلان لإنسان بعينه أو أن الله تعالى يحل في جسم من أجسام خلقه أو أن بعد محمد نبيا غير عيسى بن مريم فإنه لا يختلف اثنان في تكفيره؛ لصحة قيام الحجة بكل هذا على كل أحد، ولو أمكن أن يوجد أحد يدين بهذا لم يبلغه قط خلافه لما وجب تكفيره حتى تقوم الحجة


(١) الجامع لأحكام القرآن: ١٧ - ٧٣.
(٢) جامع البيان: ٢١ - ١٤٩.
(٣) انظر: نواقض الإيمان القولية والعملية: ٧٤.

<<  <   >  >>