للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يفهمها من هداه الله ووفقه وانقاد لأمره" (١).

خامسا: أنه لا يشترط في فهم الحجةِ أن يكونَ كفهمِ أبي بكر ، قال الله تعالى: ﴿وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا (٤٥) وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا (٤٦)[الإسراء: ٤٥، ٤٦]، قال ابن القيم : "فأخبر سبحانه أنه منعهم فقه كلامه - وهو الادراك الذى ينتفع به من فقهه - ولم يكن ذلك مانعاً لهم من الإدراك الذي تقوم به الحجة عليهم، فإنهم لو لم يفهموه جملة؛ ما ولّوا على أدبارهم نفوراً عند ذكر توحيد الله، فلما ولوا عند ذكر التوحيد دل على أنهم كانوا يفهمون الخطاب، وأن الذى غشى قلوبهم كالذي غشى آذانهم، ومعلوم أنهم لم يعدموا السمع جملة ويصيروا كالأصم، ولذلك ينفي سبحانه عنهم السمع تارة، ويثبته أخرى، قال تعالى: ﴿وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (١٠)[الملك: ١٠]، فهذا السمع المنفي عنهم سمع الفهم، والفقه، والمعنى، ﴿وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ﴾ [الأنفال: ٢٣]: سمعاً ينتفعون به، وهو فقه المعنى وعقله، وإلا فقد سمعوه سمعاً تقوم به عليهم الحجة، ولكن لما سمعوه مع شدة بغضه، وكراهته، ونفرتهم عنه لم يفهموه، ولم يعقلوه، والرجل إذا اشتدت كراهته للكلام ونفرته عنه لم يفهم ما يراد به، فينزل منزلة من لم يسمعه" (٢).

ويدل على هذا من كلام الإمام محمد بن عبد الوهاب ، قوله: "فإذا كان المعين يكفر إذا قامت عليه الحجة، فمن المعلوم أن قيامها ليس معناه أن يفهم كلام الله ورسوله مثل فهم أبي بكر الصديق ، بل إذا بلغه كلام الله ورسوله وخلا من شيء يعذر به فهو كافر، كما كان الكفار كلهم تقوم عليهم الحجة بالقرآن مع قول الله: ﴿وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ﴾ [الإسراء: ٤٦] " (٣).

فقول الإمام : "وخلا من شيء يعذر به فهو كافر" يدل على إثباته أن الحجة لا


(١) النبذة الشريفة النفيسة في الرد على القبوريين: ١١٧. وانظر: الدرر السنية: ١/ ٢٣٥.
(٢) مفتاح دار السعادة: ١/ ١٠١.
(٣) الدرر السنية: ١٠/ ٦٩.

<<  <   >  >>