للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ﴾ [البقرة: ١٣٧]. وقد أثمرت هذه الأسباب ثمرة مباركة في الوسطية والاعتدال عند أهل السنة والجماعة في باب الاعتقاد وغيره.

وأهل السنة والجماعة وسط (١) في باب الصفات بين المعطلة الجهمية وبين المشبهة الممثلة، فيثبتون لله صفاته على ما يليق بجلاله وعظمته من غير أن يحرفوها عما وضعت له، أو يمثلوا بها صفات المخلوقين، على حد قوله تعالى في سورة الشورى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى: ١١].

قال الخطيب البغدادي : "أما الكلام في الصفات فإن ما روي منها في السنن الصحاح مذهب السلف إثباتها، وإجراؤها على ظواهرها، ونفي الكيفية، والتشبيه عنها، وقد نفاها قوم فأبطلوا ما أثبته الله، وحققها قوم من المثبتين فخرجوا في ذلك إلى ضرب من التشبيه والتكييف، والقصد إنما هو سلوك الطريقة المتوسطة بين الأمرين، ودين الله تعالى بين الغالي فيه والمقصر عنه" (٢).

وأهل السنة والجماعة وسط في باب القضاء والقدر بين الجبرية وبين القدرية. فالجبرية الذين يغلون في إثبات القدر حتى سلبوا العبد فعله واختياره، ويجعلونه مجبرًا على أفعاله ليس له فيها اختيار ولا مشيئة، وإنما هو كالآلة التي تتحرك بدون اختيارها. وأما القدرية الذين يغلون في قدرة العبد ومشيئته ويحصرون قدرة الله ومشيئته وتقديره للأفعال والأعمال، ويقولون: إن العبد هو الذي يخلق فعل نفسه بدون أن يكون لله في ذلك تقدير وإنما هو شيء العبد يفعله مستقلاً.

أما أهل السنة والجماعة فهم لا يغلون في إثبات مشيئة الله وقدرته غلو الجبرية فينفوا أفعال العبد، ولا يغلون في إثبات أفعال العبد غلو القدرية فينفوا مشيئة الله وقدرته، وإنما يقولون: العبد يفعل باختباره ومشيئته، ولكن لا يخرج عن مشيئة الله وقدره وقضائه، وذلك كما في قوله تعالى: ﴿لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (٢٨) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾


(١) انظر: وسطية أهل السنة والجماعة وأثرها في علاج الغلو، مجلة البحوث الإسلامية العدد (٧٧)، ووسطية أهل السنة بين الفرق: ٣٠٥، ٣٣٣، ٣٦١، ٣٩١، ٤٣١، ٤٤٤.
(٢) رسالة في الكلام على الصفات: ١٩.

<<  <   >  >>