للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقوله تعالى: ﴿تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ (٨٠) وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (٨١)[المائدة: ٨٠ - ٨١].

قال شيخ الإسلام ابن تيمية : "فذكر جملة شرطية تقتضي مع الشرط انتفاء المشروط، فقال: ﴿وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ﴾، فدل على أن الإيمان المذكور ينفي اتخاذهم أولياء ويضاده، ولا يجتمع الإيمان واتخاذهم أولياء في القلب. ودل ذلك أن من اتخذهم أولياء ما فعل الإيمان الواجب من الإيمان بالله والنبي وما أنزل إليه. ومثله قوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٥١)[المائدة: ٥١]، فإنه أخبر في تلك الآيات أن متوليهم لا يكون مؤمناً، وهنا أخبر أن متوليهم هو منهم، فالقرآن يصدق بعضه بعضاً" (١).

وهذا التلازم بين أصل الإيمان والولاء والبراء مما تقتضيه الفطرة، وليس خاصاً بالمسلمين، بل هو واقع في جميع الأديان، ويصدقه الواقع المشاهد، والتاريخ القريب، والماضي البعيد، كل ذلك يدل على الصراع بين الأديان والمذاهب المختلفة، وقد يكون صراع الحجة والبرهان من خلال الحوار والجدل، وقد يفضي إلى القتال والتدافع بالقوة.

وقال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (١١٨) هَاأَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (١١٩)[آل عمران: ١١٨ - ١١٩].

يقول ابن جرير : "فنهى الله المؤمنين به أن يتخذوا من الكفار به أخلاء وأصفياء، ثم عرفهم ما هم عليه منطوون، من الغش والخيانة وبغيتهم إياهم الغوائل، محذرهم بذلك منهم ومن مُخالَّتهم، فقال تعالى ذكره: ﴿لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا﴾، يعني لا يستطيعونكم شراً … أي لا تدع جهدها فيما أورثكم الخبال … وأما قوله: ﴿وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ﴾، فإنه يعني: ودوا عنتكم، يقول:


(١) كتاب الإيمان: ٤.

<<  <   >  >>