للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يتمنون لكم العنت والشر في دينكم، وما يسوءكم ولا يسركم" (١).

ثم قال في تفسير قوله تعالى: ﴿قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ﴾: "يعني بذلك تعالى ذكره: قد بدت بغضاء هؤلاء الذين نهيتكم أيها المؤمنون أن تتخذوهم بطانة من دونكم = لكم بأفواههم، يعني بألسنتهم. والذي بدالهم منهم بألسنتهم: إقامتهم على كفرهم، وعداوتهم من خالف ما هم عليه مقيمون من الضلالة، فذلك من أوكد الأسباب في معاداتهم أهل الإيمان؛ لأن ذلك عداوة على الدين، والعداوة على الدين العداوة التي لا زوال لها إلا بنتقال أحد المتعاديين إلى ملة الآخر، وذلك انتقال من هدى إلى ضلالة، كانت عند المنتقل إليها ضلالة قبل ذلك. فكان في إبدائهم ذلك للمؤمنين ومقامهم عليه، أبين الدلالة لأهل الإيمان على ما هم عليه لهم من البغضاء والعداة" (٢).

وعن أبي موسى الأشعري ، في كاتب له نصراني عجب عمر بن الخطاب من كتابه، فقال: إنه نصراني، قال أبو موسى: فانتهرني وضرب فخذي، وقال: أخرجه، وقرأ: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ﴾ [الممتحنة: ١]، وقال: ﴿لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٥١)[المائدة: ٥١]، قال أبو موس: والله ما توليته إنما كان يكتب، قال: أما وجدت في أهل الإسلام من يكتب لك، لا تدنهم إذ أقصاهم الله، ولا تأمنهم إذا خونهم الله، ولا تعزهم بعد إذ أذلهم الله (٣).

وقد أخبر أن البراءة من الكفار والعداوة لهم غيض من فيض براءتهم منا وعداوتهم لنا، فقال سبحانه: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (١) إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ (٢)[الممتحنة: ١ - ٢].


(١) تفسير الطبري: ٥/ ٧٠٨ - ٧٠٩.
(٢) المرجع السابق: ٥/ ٧١٢ - ٧١٣.
(٣) شعب الإيمان للبيهقي: ١٢/ ١٧، والسنن الكبرى للبيهقي: ١٠/ ٢١٦.

<<  <   >  >>