للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي هذه الدعوى يزعم المناوئ أن هذه الدعوة المباركة تقول بأن المشركين يقرون بتوحيد الربوبية، وأن من أقر بتوحيد الربوبية فإنه يستلزم توحيد الألوهية، وهذا الأمر - حسب زعمه- أوقعهم في التناقض؛ لأنها لا تقول بتوحيد المشركين في الألوهية؛ لكن لما بينت هذه الدعوة المباركة مرادها بذلك، وأن توحيد المشركين في الربوبية لا ينفعهم إن لم يحققوا توحيد الألوهية، وأن توحيدهم في الربوبية توحيد ناقص؛ أراد المخالف أن يثبت تناقض الدعوة فأضاف أن الدعوة تزعم بأن توحيد المشركين في الربوبية توحيد كامل؛ فإذا كان توحيد المشركين في الربوبية توحيدا كاملا فإنه يستلزم توحيد الألوهية؛ وهذا الأمر يخالف ما تقول به الدعوة - حسب زعمه-.

الجواب عن هذه الدعوى:

أولا: أن القول بأن المشركين يقرون بتوحيد الربوبية، هذ أمر قد أثبته الله في كتابه في آيات كثيرة (١)، قال تعالى: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (٦١)[العنكبوت: ٦١]،، وقال تعالى: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (٩)[الزخرف: ٩].

وقال تعالى: ﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (١٠٦)[يوسف: ١٠٦]. قال ابن جرير (٢) في تفسير هذه الآية: " يقول تعالى ذكره: وما يُقِرُّ أكثر هؤلاء الذين وصَفَ ﷿ صفتهم بقوله: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ (١٠٥)﴾ بالله أنه خالقه ورازقه وخالق كل شيء ﴿إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ﴾، في عبادتهم الأوثان والأصنام، واتخاذهم من دونه أربابًا، وزعمهم أنَّ له ولدًا، تعالى الله عما يقولون" (٣).

ثم أخرج ابن جرير بسنده إلى ابن عباس قال: "من إيمانهم، إذا قيل لهم: مَنْ خلق


(١) انظر: شبهات المبتدعة في توحيد العبادة: ١/ ١٧١، ٣١٣، دعاوى المناوئين: ٣٢٩ - ٣٣٢.
(٢) أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد بن كثير الطبري، صاحب التفسير والتاريخ وتهذيب الآثار. إمام ثقة حافظ، توفي في بغداد سنة ٣١٠ هـ. انظر: البداية والنهاية: ١١/ ١٥٦، وسير أعلام النبلاء: ١٤/ ٢٦٧.
(٣) جامع البيان للطبري: ١٦/ ٢٨٦.

<<  <   >  >>