للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ضوابطه الشرعية- ليس فكرة من الأفكار، وإنما هي توجيهات ربانية، قال الله تعالى: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٨)[الممتحنة: ٨].

قال الشيخ السعدي : "أي لا ينهاكم الله عن البر والصلة، والمكافأة بالمعروف، والقسط للمشركين، من أقاربكم وغيرهم، حيث كانوا بحال لم ينتصبوا لقتالكم في الدين والإخراج من دياركم، فليس عليكم جناح أن تصلوهم، فإن صلتهم في هذه الحالة، لا محذور فيها ولا مفسدة، كما قال تعالى عن الأبوين المشركين إذا كان ولدهما مسلما: ﴿وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا﴾ [لقمان: ١٥] " (١).

وقال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن في جواب له عن قوله تعالى: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ﴾ الآية: "فالذي يظهر أن هذا إخبار من الله -جل ذكره- لعباده المؤمنين بأنه لم يَنْهَهُمْ عن البر والعدل والإنصاف في معاملة أي كافر كان من أهل الملل، إذا لم يقاتلهم في الدين ولم يخرجهم من ديارهم؛ إذ العدل والإحسان والإنصاف مطلوب محبوب شرعا؛ ولذا علل هذا الحكم بقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ …

ووجه مناسبة الآية لما قبلها من الآي: أنه لما ذكر تعالى نهيه عباده المؤمنين، عن اتخاذ عدوه وعدوهم، أولياء يلقون إليهم بالمودة، ثم ذكر حال خليله ومن آمن معه، في قولهم وبراءتهم من قومهم المشركين، حتى يؤمنوا، وذكر أن لعباده المؤمنين أسوة حسنة، خيف أن يتوهم أحد، أو يظن أن البر والعدل داخلان في ضمن ما نهى عنه من الموالاة وأمر به من البراءة، فناسب أن يدفع هذا بقوله: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ﴾ الآية " (٢).

فهذا هو التسامح المتوافق مع الكتاب والسنة، وفيه بيان الحق في الولاء والبراء، وأن البراة من المشركين غير المقاتلين لا تعني ترك العدل وعدم الإحسان إليهم في التعامل.

خامسا: وقوله عن أتباع دعوة الإمام أنه: "لم يمتلك شجاعة المواجهة، بل ولا حتى


(١) تفسير السعدي: ٨٥٦.
(٢) مجموعة الرسائل والمسائل النجدية: ٣/ ١٩٠ - ١٩١.

<<  <   >  >>