للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويقول ديفيد كوبر: "وهنا لابد أن نذكر أن الحركة الوهابية لم تكن مجرد انتفاضة دينية، بل هي في رأيي المتنفس الذي رد به أهل نجد فرفضوا الهوان من العثمانيين، ثم من الضغوط التي مارستها أوروبا على شبه الجزيرة العربية، وكانت الحركة وقد اتخذت من الدين أداة لها تمثل وسيلة لصون الأسلوب الذي ارتآه الناس منهجاً لهم في هذه الحياة" (١).

ويقول محمد زكي إبراهيم: "ليست خصومة المحمديين (٢) للتمسلف لمجرد أنه مذهب يخالف مذهبهم قليلاً أو كثيراً، ولكن لما في هذا المذهب من الخطورة البالغة على المقومات الفكرية والاعتقادية، والقومية، والوطنية، وعلى المبادئ والقيم، باسم "السلف" المظلوم.

فالتمسلف بتقسيمه أهل القبلة إلى أديان شتى، ثم إلى مشركين وموحدين، ثم إلى كذا وكذا، مما يجعل بأسهم بينهم ويشغلهم بتوافه الفتن عن كبريات الأخطار إنما يخدم الاستعمار خدمة لا تعدلها خدمة، فقاعدة "فرّق تسد" التي ينفق عليها الاستعمار كل أمواله، ويستعمل فيها كل تداهيه ولؤمه ومخابئه، ويرصد عليها كل إمكانياته، إنما لا تكلفه شيئاً أبداً إذا هو ساند التمسلف - كما هو واقع فعلاً- ولو بهذه الدنيويات التافهة التي يقدمها له سحتاً فواحاً بالنتن، فيروح دعاته مسعورين في كل جانب، يهدمون له ما بنى الله من أنفسهم وأمتهم، ولا يزال أحدهم يرفس وينطح ويعض وينهش، لا يبقي أديماً سليماً لمسلم عالم أو عارف أو حاكم، سابق أو لاحق، وبهذا يعود (التمسلف) فيخدم الاستعمار خدمة أخرى أخطر وأنكر، هي تجريد التاريخ الإسلامي من المجد، وتعرية الفكر الإسلامي من الثروة، وكشف فرائد الفضائل على أنها عورات وآثام ومخاز، فلا يعود المسلم يحس بمجد تاريخي ولا علمي ولا ثقافي، ولا يعود يرى أجداده إلا شذاذ آفاق مضللين ولصوص مجد، أفاكين، فينهار المسلم أمام نفسه، ويصغر


(١) الحركة الوهابية في عيون الرحالة الأجانب: ٦٦. وانظر: الرد على الوهابية في القرن التاسع عشر "نصوص الغرب الإسلامي نموذجاً": ١١، وملاحظات عن البدو والوهابيين: ٤١٢ - ٤٢٣، والدعوة الوهابية والمملكة: ٢٦ - ٢٧، ٤٥، ٦٩، ومباحث في العذر بالجهل: ٢٥١ - ٢٧١.
(٢) "قد سمي الدِّين الذي دعا إليه النبي دين الإسلام، ولهذا التسمية بدورها مغزى ينطوي على معنى الدخول في الإسلام، ويسمى معتنق هذا الدِّين مسلماً، والمسلم: أي الرجل الذي اهتدى للإسلام. أما التسمية ب ((محمدي)) و ((محمدية)) فلم تكن في يوم من الأيام سائدة ولا مستساغة لدى أتباع هذا الدين". الفكر الخوالد بواسطة معجم المناهي اللفظية: ٤٨١، ٥٨٩ - ٥٩٠.

<<  <   >  >>