وبين تعريفها باعتبارها العبادة الحقة المأمور بها شرعا، وهي المضافة إلى الله ﷿.
فهي من حيث الإطلاق يدخل فيها العبادة الحقة والعبادة الباطلة، أما من حيث المأمور بها شرعا فالعبادة لا تكون عبادة إلا بشروطها، من الإخلاص لله ﷿ والمتابعة لرسوله ﷺ. كما أن الصلاة لا تسمى صلاة إلا بشروطها.
فمن عرفها بأنها غاية المحبة والخضوع، فهذا باعتبار معناها المطلق.
ومن عرفها بأنها الخضوع لله بالطاعة، أو بأنها محبة الله، أو بأنها اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه ونحو ذلك، فهذا باعتبار العبادة المأمور بها شرعا.
رابعا: أن العبادة تطلق ويراد بها التّعبد: وهو فعل العبد.
وتطلق ويراد بها المتعّبد به: وهو صور العبادة التي يقوم بها العبد من صلاة وصيام ونحوهما (١).
فعلى الإطلاق الأول - التعبد-، تكون العبادة: كل ما يتقرب به العبد إلى الله جل وعلا ممتثلاً به الأمر والنهي، قال تعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (٥٤)﴾ [الأعراف: ٥٤]، وقال تعالى: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (١٣٢)﴾ [آل عمران: ١٣٢]، وقال تعالى: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (٩٢)﴾ [المائدة: ٩٢]، وقال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ (٣٣)﴾ [محمد: ٣٣]، وغيرها من الآيات.
وعلى الإطلاق الثاني - المتعبد به-، تكون العبادة: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، قيدت بما يحبه الله ويرضاه، والله ﷿ يقول: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (٢٢٢)﴾ [البقرة: ٢٢٢]، ويقول تعالى: ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (٥٧)﴾ [آل
(١) انظر: منهج أهل السنة ومنهج الأشاعرة في توحيد الله تعالى: ٥٦، وحقيقة التوحيد بين أهل السنة والمتكلمين: ٣٦٢.