للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال ابن مندة (١) في كتابه "كتاب التوحيد ومعرفة أسماء الله ﷿ وصفاته على الاتفاق والتفرد" ذكر أقسام التوحيد واستعرض كثيراً من أدلتها في الكتاب والسنة بشرح وبسط لا مزيد عليه (٢).

ونقل ابن مندة عن أبي يوسف القاضي (٣) -صاحب أبي حنيفة- أنه قال: "ليس التوحيد بالقياس ألم تسمع إلى قول الله ﷿ في الآيات التي يصف بها نفسه أنه عالم قادر قوي مالك، ولم يقل: إني عالم قادر لعلة كذا أقدر، بسبب كذا أعلم، وبهذا المعنى أملك، فلذلك لا يجوز القياس في التوحيد، ولا يعرف إلا بأسمائه، ولا يوصف إلا بصفاته، وقد قال الله تعالى في كتابه: ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (٢١)[البقرة: ٢١]، وقال: ﴿أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ﴾ [الأعراف: ١٨٥]، وقال: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ﴾ [البقرة: ١٦٤].

قال أبو يوسف: لم يقل الله: انظر كيف أنا العالم وكيف أنا القادر وكيف أنا الخالق، ولكن قال: انظر كيف خلقت ثم قال: ﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ﴾ [النحل: ٧٠]، وقال: ﴿وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (٢١)[الذاريات: ٢١]، أي: تعلم أن هذه الأشياء لها رب يقلبها ويبديها ويعيدها وأنك مُكوّن ولك من كوّنك. وإنما دل الله ﷿ خلقه بخلقه ليعرفوا أن لهم رباً يعبدوه ويطيعوه، وأنا القادر، أي: هذا الذي كونكم يسمى المالك القادر الله الرحمن الرحيم بما يوصف.

ثم قال أبو يوسف : إن الله ﷿ خلقك وجعل فيك آلات وجوارح عجز بعض جوارحك عن بعض وهو ينقلك من حال إلى حال لتعرف أن لك رباً وجعل فيك نفسك


(١) الإمام الحافظ محمد بن إسحاق بن يحيى بن منده، أبو عبد الله. محدث الإسلام. كان من أوسع العلماء رحلة وأكثرهم حديثاً وشيوخاً، من مؤلفاته: الإيمان، التوحيد، توفي سنة ٣٩٥ هـ. انظر: طبقات الحنابلة: ٢/ ١٦٧. وسير أعلام النبلاء: ١١/ ٧ - ١٠، والبداية والنهاية: ١١/ ٣٣٦.
(٢) انظر هذه الأبواب في كتاب "التوحيد" لابن مندة: ١/ ٦١ - ١١٦.
(٣) الإمام يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الأنصاري، القاضي، أبو يوسف الكوفي، صاحب الإمام أبي حنيفة، المجتهد، العلامة، المحدث، أفقه أهل الرأي بعد أبي حنيفة، توفي سنة ١٨٢ هـ. انظر: تاريخ بغداد: ١٤/ ٢٤٢، وسير أعلام النبلاء: ٨/ ٥٣٥، والجواهر المضية: ٣/ ٦١١.

<<  <   >  >>