للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

في هذا العصر الذي كثرت فيه الشواغل، فإن إمكانه أوعى في زمن الصحابة والتابعين الذين كانت أحوالهم أقرب إلى الصفاء وقلة الشواغل.

ولم تهتم الأمة الإسلامية بشيء بعد اهتمامها بكتاب الله - عز وجل -، كاهتمامها بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وسعيها في ذلك السعي العجيب الفذ، الذي أذهل الأعداء قبل الأصدقاء، وعدّ المستشرقون ذلك مفخرة كبرى يفتخر بها المسلمون.

وانطلاقًا من كون السنة النبوية الركن الثاني لهذا الدين العظيم، وما لذلك من آثار وخلفيات, فإن علماء المسلمين منذ السنوات الأولى لفجر الإسلام وعلى مر العصور واختلاف الدهور كان لهم في شتى علوم السنة النبوية شغل شاغل وعمل علمي متواصل وتفرغ كامل، وخدمة واسعة عامة.

فكانوا تارة يحفظون الحديث، وتارة يدونونه وتارة يتحملونه، وتارة يحضون الناس على تحمله، وتارة يقسمونه إلى أقسام بحسب مواضيعه أو بحسب مراتبه، وتارة يذبون الشبهات عنه، وتارة يكشفون أمر الوضاعين فيه، وتارة يبينون القواعد العامة والأصول التي يقبل بها الحديث أو يرد، قيل لعبد الله بن المبارك: هذه الأحاديث الموضوعة، قال: تعيش لها الجهابذة: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (١).

وهكذا تولدت علوم جمة ومعارف كثيرة، حملتها صدور أولئك الرجال الأفذاذ، وسطرتها أقلامهمم النشطة، وطوتها كتبهم النفيسة القيمة التى أفنوا في تحصيلها أعمارهم فكانت شموعًا أضاءت لنا الطريق.


(١) الحجر: ٩.