للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يدل عليه، ويدل على ذلك أن قول القائل: اعتق عبيدي، وطلق زوجاتي، لا يدل هذا اللفظ على سفر ولا إقامة ولا مكان معين ولا زمان معين/ من (١٤٢/ أ) المستقبلات لذلك الفعل ألبتة، ولا هنالك واقع يتقاضى شيئا من هذه الأشياء على التعبير ألبتة، بل الباب منسد بالكلية وهو صيغة عموم، وقوله تعالى: {فاقتلوا المشركين} صيغة عموم، فقد اشتركا في صيغة العموم، وامتاز المشركون بأن الواقع من أحوالهم المعلوم، أن منهم مسافرا أو مقيما أو جائعا أو خائفا أو أسيرا، وأن مدائنهم بأرض الأندلس أو بجزيرة العرب، وغير ذلك مما هو معلوم في الواقع، فلو كانت صيغة العموم بما هي صيغة دالة على شيء من ذلك لدلت عليه في: أعتق عبيدي، وطلق نسائي، لوجود المقتضى لذلك، وهو صيغة العموم، وما لم يدل على ذلك، علمنا أن لفظ العموم من حيث هو عموم لا يفيد شيئا من ذلك التعيين، وإنه إنما يدل بالالتزام على مطلقات هذه الأربعة لا معيناتها وهو المطلوب.

الثاني: في الدلالة على ذلك من جهة الوضع اللغوي: أن اللغويين نصوا على أنك إذا عبرت عن المعاني العامة والحقائق العالية، نحو: المخلوق، والوجود والجسم، ونحوهما، فإنك إنما تعبر عنها بلفظ "ما" الموضوعة لما لا يعقل، فإن الأمر العام لا يستلزم الخاص، فلم يندرج في تلك الأمور العامة مفهوم الخاص العاقل من حيث هو عاقل، وإن اندرج في صيغة العموم من حيث إنه جسم، وموجود، ومخلوق، ونحوها، لكنه من هذه الجهة غير عاقل، وإذا لم يندرج فيه العقلاء من حيث هم عقلاء، كان اللفظ اللائق به هو لفظ "ما"، دون لفظ "من"، فلا تقول: كل من خلقه الله

<<  <  ج: ص:  >  >>