للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ أَنَّ الْمُرْتَدَّ يَكُونُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِالِارْتِدَادِ فَيُوقَفُ مَالُهُ لِيُنْظَرَ حَالُهُ، فَإِنْ أَسْلَمَ رُدَّ لَهُ (وَقَدَرَ) الْمُرْتَدُّ الْجَانِي عَمْدًا أَوْ خَطَأً حَالَ رِدَّتِهِ ثُمَّ تَابَ (كَالْمُسْلِمِ فِيهِمَا) أَيْ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَإِ، فَإِنْ جَنَى حَالَ رِدَّتِهِ عَلَى حُرٍّ مُسْلِمٍ عَمْدًا كَانَ عَلَيْهِ الْقَوَدُ إذَا تَابَ وَخَطَأً فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَإِنْ جَنَى عَلَى ذِمِّيٍّ ثُمَّ تَابَ فَفِي مَالِهِ فِي الْعَمْدِ وَعَلَى عَاقِلَتِهِ فِي الْخَطَأِ.

(وَقُتِلَ الْمُسْتَسِرُّ) لِلْكُفْرِ وَالسِّينُ وَالتَّاءُ زَائِدَتَانِ أَيْ مَنْ أَسَرَّ الْكُفْرَ وَأَظْهَرَ الْإِسْلَامَ (بِلَا اسْتِتَابَةٍ) بَعْدِ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ بَلْ وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ (إلَّا أَنْ يَجِئْ) قَبْلَ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ (تَائِبًا) فَتُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَلَا يُقْتَلُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا اطَّلَعْنَا عَلَى مَا كَانَ مَخْفِيًّا عِنْدَهُ وَأَنَّهُ رَجَعَ عَنْهُ قُبِلَ مِنْهُ (وَمَالُهُ) إنْ مَاتَ قَبْلَ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ ثُمَّ ثَبَتَتْ زَنْدَقَتُهُ أَوْ بَعْدَ أَنْ جَاءَ تَائِبًا أَوْ قُتِلَ بَعْدَ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ وَبَعْدَ تَوْبَتِهِ لِعَدَمِ قَبُولِهَا مِنْهُ (لِوَارِثِهِ) ، فَإِنْ ظَهَرَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَتُبْ وَلَمْ يُنْكِرْ مَا شُهِدَ بِهِ عَلَيْهِ حَتَّى قُتِلَ أَوْ مَاتَ فَلِبَيْتِ الْمَالِ.

(وَقُبِلَ عُذْرُ مَنْ) (أَسْلَمَ) مِنْ الْكُفَّارِ ثُمَّ رَجَعَ (وَقَالَ) عِنْدَ إرَادَتِنَا قَتْلَهُ لِرِدَّتِهِ كُنْت (أَسْلَمْت عَنْ ضِيقٍ) مِنْ خَوْفٍ عَلَى نَفْسٍ أَوْ مَالٍ أَوْ عَذَابٍ (إنْ ظَهَرَ) عُذْرُهُ بِقَرِينَةٍ وَإِلَّا لَمْ يُقْبَلْ وَحُكِمَ فِيهِ بِحُكْمِ الْمُرْتَدِّ، فَإِنْ رَجَعَ لِلْإِسْلَامِ وَإِلَّا قُتِلَ (كَأَنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى) ثُمَّ أَظْهَرَ الْكُفْرَ وَاعْتَذَرَ بِأَنَّهُ إنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ خَوْفًا عَلَى نَفْسٍ أَوْ مَالٍ أَوْ مِنْ عَذَابٍ فَيُقْبَلُ عُذْرُهُ إنْ ظَهَرَتْ قَرِينَةُ صِدْقِهِ وَإِلَّا قُتِلَ بَعْدَ الِاسْتِتَابَةِ (وَأَعَادَ مَأْمُومَهُ) أَبَدًا كَمَا قَدَّمَهُ فِي بَابِ الْجَمَاعَةِ.

(وَأُدِّبَ مَنْ تَشَهَّدَ) أَيْ نَطَقَ بِالشَّهَادَتَيْنِ (وَلَمْ يُوقَفْ عَلَى الدَّعَائِمِ) أَيْ لَمْ يَلْتَزِمْ أَرْكَانَ الْإِسْلَامِ مِنْ صَلَاةٍ وَغَيْرِهَا حِينَ اطَّلَعَ عَلَيْهَا بَعْدَ تَشَهُّدِهِ فَلَيْسَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمُرْتَدِّ وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّ مَنْ عَلِمَهَا قَبْلَ تَشَهُّدِهِ كَالذِّمِّيِّ بَيْنَ أَظْهُرِنَا ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ التَّشَهُّدِ أَنَّهُ مُرْتَدٌّ وَهُوَ كَذَلِكَ إلَّا لِعُذْرٍ بَيِّنٍ كَمَا تَقَدَّمَ (كَسَاحِرٍ ذِمِّيٍّ) يُؤَدَّبُ (إنْ لَمْ يُدْخِلْ ضَرَرًا عَلَى مُسْلِمٍ) وَإِلَّا قُتِلَ لِنَقْضِ عَهْدِهِ وَلِلْإِمَامِ اسْتِرْقَاقُهُ إلَّا أَنْ يَتَعَيَّنَ قَتْلُهُ فَيُقْتَلُ إذَا لَمْ

ــ

[حاشية الدسوقي]

مَالِهِ بِنَفْسِ الِارْتِدَادِ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ كَمَا فِي ابْنِ الْحَاجِبِ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ اُنْظُرْ بْن.

(قَوْلُهُ: مِنْ أَنَّ الْمُرْتَدَّ يَكُونُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِالِارْتِدَادِ) هَذَا بَيَانٌ لِلرَّاجِحِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُقَابِلَ لِلرَّاجِحِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِنَفْسِ الِارْتِدَادِ وَأَنَّهُ لَا يُنْزَعُ مِنْهُ مَالُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ وَقْفَ مَالِهِ بِمُجَرَّدِ الرِّدَّةِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ هَلْ يَرْجِعُ لَهُ إذَا تَابَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ أَوْ يَكُونُ فَيْئًا مُطْلَقًا كَالْمَأْخُوذِ مِنْ الْحَرْبِيِّ وَالْأَوَّلُ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَالثَّانِي لِسَحْنُونٍ وَفَائِدَةُ الْوَقْفِ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَعُودُ إلَيْهِ مُطْلَقًا احْتِمَالُ أَنْ تَظْهَرَ عَلَيْهِ دُيُونٌ فَتُؤْخَذُ مِنْهُ وَلِأَنَّهُ إذَا رَأَى مَالَهُ مَوْقُوفًا لَعَلَّهُ يَتَوَهَّمُ أَنَّنَا وَقَفْنَاهُ لَهُ فَيَعُودُ لِلْإِسْلَامِ اُنْظُرْ بْن.

(قَوْلُهُ: وَقُدِّرَ الْمُرْتَدُّ الْجَانِي عَمْدًا أَوْ خَطَأً حَالَ رِدَّتِهِ كَالْمُسْلِمِ) أَيْ كَالْجَانِي الْمُسْلِمِ الَّذِي صَدَرَتْ مِنْهُ الْجِنَايَةُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً أَيْ وَأَمَّا لَوْ جَنَى عَلَيْهِ حَالَ رِدَّتِهِ فَلَا يُقَدَّرُ مُسْلِمًا بَلْ مُرْتَدًّا فِيهِ ثُلُثُ خُمْسِ دِيَةِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَلَيْهِ عَمْدًا أَوْ خَطَأً (قَوْلُهُ: إذَا تَابَ) الْأَوْلَى حَذْفُهُ؛ لِأَنَّهُ الْمَوْضُوعُ كَمَا أَشَارَ لَهُ الشَّارِحُ أَوَّلًا فَمَوْضُوعُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ جَنَى حَالَ رِدَّتِهِ وَتَابَ وَمَا مَرَّ فِي جِنَايَتِهِ عَلَى عَبْدٍ أَوْ ذِمِّيٍّ أَوْ حُرٍّ مُسْلِمٍ عَمْدًا أَوْ خَطَأً فَمَوْضُوعُهُ أَنَّهُ مَاتَ عَلَى رِدَّتِهِ

(قَوْلُهُ: أَيْ مَنْ أَسَرَّ الْكُفْرَ وَأَظْهَرَ الْإِسْلَامَ) أَيْ وَهُوَ الْمُسَمَّى فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ مُنَافِقًا وَيُسَمِّيهِ الْفُقَهَاءُ زِنْدِيقًا.

(قَوْلُهُ: بِلَا اسْتِتَابَةٍ) أَيْ بِلَا طَلَبِ تَوْبَةٍ مِنْهُ. (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَجِيءَ تَائِبًا) أَيْ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ.

(قَوْلُهُ: ثُمَّ ثَبَتَتْ زَنْدَقَتُهُ) أَيْ وَلَوْ بِشَهَادَةِ بَيِّنَةٍ عَلَى إقْرَارِهِ بِهَا.

(قَوْلُهُ: أَوْ قُتِلَ بَعْدَ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ وَبَعْدَ تَوْبَتِهِ) أَيْ وَكَذَا إذْ قُتِلَ بَعْدَ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ وَأَنْكَرَ مَا شَهِدَ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ اسْتِسْرَارِ الْكُفْرِ فَمَالُهُ لِوَارِثِهِ، فَإِنْكَارُهُ لَا يَدْفَعُ قَتْلَهُ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ مَالُهُ لِوَارِثِهِ

(قَوْلُهُ: ثُمَّ رَجَعَ) أَيْ عَنْهُ بَعْدَ الْوُقُوفِ عَلَى الدَّعَائِمِ وَالْتِزَامِهِ لِأَحْكَامِ الْإِسْلَامِ فَهَذَا هُوَ الْمَوْضُوعُ.

(قَوْلُهُ: وَقَالَ أَسْلَمْت عَنْ ضِيقٍ) أَيْ ثُمَّ رَجَعْت بَعْدَ زَوَالِ ضِيقِي.

(قَوْلُهُ: وَإِلَّا لَمْ يُقْبَلْ) أَيْ ذَلِكَ الِاعْتِذَارُ.

(قَوْلُهُ: كَأَنْ تَوَضَّأَ) أَيْ شَخْصٌ كَافِرٌ أَسْلَمَ مِنْ الْكُفَّارِ (قَوْلُهُ: وَأَعَادَ مَأْمُومَهُ) أَيْ مَأْمُومَ مَنْ قَبِلَ عُذْرَهُ وَلَوْ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ حَقِيقَةً وَظَاهِرُهُ أَنَّ مَأْمُومَ مَنْ لَمْ يَقْبَلْ عُذْرَهُ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَاَلَّذِي اسْتَظْهَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ أَنَّ عَلَيْهِ الْإِعَادَةَ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُتَحَفِّظٍ عَلَى مَا تَتَوَقَّفُ صِحَّةُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ فَرَاجِعْهُ وَهُوَ الْحَقُّ اهـ بْن.

(قَوْلُهُ: كَمَا قَدَّمَهُ إلَخْ) أَيْ حَيْثُ قَالَهُ وَبَطَلَتْ بِاقْتِدَاءٍ بِمَنْ بَانَ كَافِرًا وَمِنْ لَوَازِمِ الْبُطْلَانِ طَلَبُ الْإِعَادَةِ

(قَوْلُهُ: وَأُدِّبَ مَنْ تَشَهَّدَ) أَيْ ثُمَّ رَجَعَ عَنْ الْإِسْلَامِ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يُوقَفْ عَلَى الدَّعَائِمِ (قَوْلُهُ: أَيْ لَمْ يَلْتَزِمْ إلَخْ) هَذَا الْحَلُّ قَرِيبٌ مِنْ قَوْلِ ابْنِ مَرْزُوقٍ أَنَّ مَعْنَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَلَمْ يُوقَفْ أَيْ لَمْ يَعْلَمْ بِالدَّعَائِمِ حِينَ التَّشَهُّدِ فَلَمَّا عَلِمَ بِهَا بَعْدَ التَّشَهُّدِ أَبَى مِنْ الْتِزَامِهَا وَرَجَعَ عَنْ الْإِسْلَامِ فَيُؤَدَّبُ وَلَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْمُرْتَدِّ.

(قَوْلُهُ: وَهُوَ كَذَلِكَ) أَيْ لِأَنَّ نُطْقَهُ بَعْدَ عِلْمِهِ بِهَا يُعَدُّ الْتِزَامًا لَهَا كَمَا فِي بْن.

(قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يُدْخِلْ ضَرَرًا عَلَى مُسْلِمٍ) أَيْ إنْ سَحَرَ مُسْلِمًا وَلَمْ يُدْخِلْ عَلَيْهِ ضَرَرًا، فَإِنْ أَدْخَلَ عَلَيْهِ ضَرَرًا خُيِّرَ الْإِمَامُ بَيْنَ قَتْلِهِ وَاسْتِرْفَاقِهِ مَا لَمْ يَرَ الْمَصْلَحَةَ فِي قَتْلِهِ، وَإِلَّا تَحَتَّمَ قَتْلُهُ إنْ لَمْ يُسْلِمْ وَأَمَّا إنْ سَحَرَ كَافِرًا، فَإِنْ لَمْ يُدْخِلْ عَلَيْهِ ضَرَرًا فَلَا أَدَبَ، وَإِنْ أَدْخَلَ عَلَيْهِ ضَرَرًا أُدِّبَ مَا لَمْ يَقْتُلْ أَحَدًا بِسِحْرِهِ وَإِلَّا قُتِلَ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا قُتِلَ) أَيْ وَإِلَّا بِأَنْ أَدْخَلَ عَلَيْهِ ضَرَرًا قُتِلَ أَيْ قَتَلَهُ الْإِمَامُ إنْ شَاءَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَلِلْإِمَامِ اسْتِرْقَاقُهُ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ وَقَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَتَعَيَّنَ قَتْلُهُ أَيْ لِكَوْنِ الْمَصْلَحَةِ فِي قَتْلِهِ وَقَوْلُهُ: فَيُقْتَلُ أَيْ فَيَتَحَتَّمُ قَتْلُهُ، إلَّا أَنْ يُسْلِمَ

<<  <  ج: ص:  >  >>