مُطْلَقًا مَا لَمْ يَكُنْ كَافِرًا فَيُسْلِمُ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ وَبَالَغَ عَلَى قَتْلِ السَّابِّ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا بِقَوْلِهِ (وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ ذَمَّهُ لِجَهْلٍ أَوْ مَكْرٍ أَوْ تَهَوُّرٍ) فِي الْكَلَامِ وَهُوَ كَثْرَتُهُ مِنْ غَيْرِ ضَبْطٍ إذْ لَا يُعْذَرُ أَحَدٌ فِي الْكُفْرِ بِالْجَهْلِ أَوْ السُّكْرِ أَوْ التَّهَوُّرِ وَلَا بِدَعْوَى زَلَلِ اللِّسَانِ (وَفِي مَنْ) (قَالَ) حِينَ غَضَبِهِ (لَا صَلَّى اللَّهُ عَلَى مَنْ) أَيْ عَلَى شَخْصٍ (صَلَّى عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى النَّبِيِّ (جَوَابًا لِصَلِّ) عَلَى النَّبِيِّ قَوْلَانِ بِالْقَتْلِ وَعَدَمِهِ وَوَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ فِيهِ سَبًّا لِلْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ وَوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ حِينَ غَضَبِهِ لَمْ يَكُنْ قَاصِدًا إلَّا نَفْسَهُ وَلَكِنَّهُ يُؤَدَّبُ وَيُطَالُ سَجْنُهُ (أَوْ) (قَالَ) مُخَاطِبًا لِغَيْرِهِ (الْأَنْبِيَاءِ يُتَّهَمُونَ جَوَابًا لِتَتَّهِمَنِي) أَيْ لِقَوْلِهِ لَهُ أَتَتَّهِمُنِي فَحَذْفُ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ فِيهِ قَوْلَانِ هَلْ يُقْتَلُ بِلَا قَبُولِ تَوْبَةٍ لِبَشَاعَةِ اللَّفْظِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى طَرِيقِ الذَّمِّ أَوَّلًا؛ لِأَنَّ قَصْدَهُ الْإِخْبَارُ عَمَّا وَقَعَ مِنْ الْكُفَّارِ لَكِنَّهُ يُعَاقَبُ (أَوْ) قَالَ (جَمِيعُ الْبَشَرِ يَلْحَقُهُمْ النَّقْصُ حَتَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) هَلْ يُقْتَلُ بِلَا قَبُولِ تَوْبَةٍ نَظَرًا لِظَاهِرِ اللَّفْظِ أَوَّلًا لِاحْتِمَالِهِ أَنَّهُ إخْبَارٌ عَمَّا قَالَهُ الْكُفَّارُ وَلَكِنَّهُ يُنَكَّلُ وَيُطَالُ سَجْنُهُ (قَوْلَانِ) فِي كُلٍّ مِنْ الْفُرُوعِ الثَّلَاثَةِ.
وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى مَا يُوجِبُ الْقَتْلَ بِلَا اسْتِتَابَةٍ وَمَا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ هَلْ يُقْتَلُ بِلَا اسْتِتَابَةٍ أَوْ لَا يُقْتَلُ وَإِنَّمَا فِيهِ الْعُقُوبَةُ ذَكَرَ مَا يُوجِبُ الْقَتْلَ إنْ لَمْ يَتُبْ بِقَوْلِهِ (وَاسْتُتِيبَ فِي) قَوْلِهِ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - (هُزِمَ) أَيْ يَكُونُ مُرْتَدًّا يُسْتَتَابُ ثَلَاثًا، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ وَهَذَا خِلَافُ مَا عَلَيْهِ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ مِنْ أَنَّهُ يُقْتَلُ وَلَا تُقْبَلُ مِنْهُ تَوْبَةٌ (أَوْ أَعْلَنَ بِتَكْذِيبِهِ) فَإِنَّهُ يُسْتَتَابُ ثَلَاثًا، فَإِنْ لَمْ يَتُبْ قُتِلَ وَمَفْهُومُ أَعْلَنَ أَنَّهُ إنْ أَسَرَّ بِهِ فَزِنْدِيقٌ يُقْتَلُ بِلَا اسْتِتَابَةٍ إلَّا أَنْ يَجِيءَ تَائِبًا قَبْلَ الظُّهُورِ عَلَيْهِ وَالْحَقُّ أَنَّ الْإِعْلَانَ بِتَكْذِيبِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَعْظَمِ السَّبِّ فَيُقْتَلُ بِهِ مُطْلَقًا (أَوْ تَنَبَّأَ) أَيْ ادَّعَى أَنَّهُ نَبِيٌّ يُوحَى إلَيْهِ فَإِنَّهُ يُسْتَتَابُ، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ (إلَّا أَنْ يُسِرَّ) أَيْ يَدَّعِيَ النُّبُوَّةَ سِرًّا فَزِنْدِيقٌ يُقْتَلُ إلَّا أَنْ يَجِيءَ تَائِبًا قَبْلَ الظُّهُورِ عَلَيْهِ (عَلَى الْأَظْهَرِ) فَالِاسْتِثْنَاءُ قَاصِرٌ عَلَى الْأَخِيرِ مِنْ حَيْثُ النِّسْبَةِ لِابْنِ رُشْدٍ، وَإِنْ كَانَ الَّذِي قَبْلَهُ كَذَلِكَ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ وَاَلَّذِي اخْتَارَهُ ابْنُ مَرْزُوقٍ فِي هَذَا الْفَرْعِ الَّذِي قَبْلَهُ أَنَّهُ يُقْتَلُ بِلَا تَوْبَةٍ
ــ
[حاشية الدسوقي]
أَيْ وَلَوْ كَانَ إسْلَامُهُ لِأَجْلِ أَنْ لَا يُقْتَلَ.
(قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا وَإِنَّمَا لَمْ يُجْعَلْ سَبُّهُ مِنْ جُمْلَةِ كُفْرِهِ بِحَيْثُ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِذَلِكَ السَّبِّ إذَا لَمْ يَتُبْ؛ لِأَنَّا لَمْ نُعْطِهِمْ الْعَهْدَ عَلَى ذَلِكَ وَلَا عَلَى قَتْلِ أَحَدٍ مِنَّا فَلَوْ قَتَلَ أَحَدًا مِنَّا أَوْ سَبَّ نَبِيًّا قَتَلْنَاهُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ اسْتِحْلَالُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ ذَمَّهُ) مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا مِنْ الْمُبَالَغَةِ هُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ دُونَ قَوْلِهِ قَبْلُ عَلَى طَرِيقِ الذَّمِّ فَإِنَّ مَفْهُومَهُ غَيْرُ مُعَوَّلٍ عَلَيْهِ اهـ عبق (قَوْلُهُ: أَوْ سُكْرٍ) أَيْ أَدْخَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَلَا يُرَدُّ قَوْلُ حَمْزَةَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَلْ أُنْتَمَ إلَّا عَبِيدُ أَبِي كَمَا فِي الْبُخَارِيِّ؛ لِأَنَّهُ كَانَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْخَمْرَةِ كَمَا فِي الشِّفَاءِ وَالسَّكْرَانِ إذْ ذَاكَ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْمَجْنُونِ.
(قَوْلُهُ: وَفِي مَنْ قَالَ لَا صَلَّى اللَّهُ عَلَى مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ إلَخْ) أَيْ وَأَمَّا لَوْ قَالَ لَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ قَوْلًا وَاحِدًا بِلَا اسْتِتَابَةٍ كَمَا أَنَّهُ يُقْتَلُ قَوْلًا وَاحِدًا إذَا قَالَ وَهُوَ غَيْرُ غَضْبَانَ لَا صَلَّى اللَّهُ عَلَى مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: لَمْ يَكُنْ قَاصِدًا، إلَّا نَفْسَهُ) أَيْ الدُّعَاءَ عَلَى نَفْسِهِ بِعَدَمِ صَلَاةِ اللَّهِ عَلَيْهِ نَفْسَهُ إنْ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ (قَوْلُهُ: لِبَشَاعَةِ اللَّفْظِ) أَيْ مِنْ حَيْثُ نِسْبَةُ النَّقْصِ لِلْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَقَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى طَرِيقِ الذَّمِّ أَيْ قَصْدًا أَيْ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ قَاصِدًا ذَمَّهُمْ.
(قَوْلُهُ: أَوْ لَا) أَيْ أَوْ لَا يُقْتَلُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ قَصْدَهُ إلَخْ) الْأَوْلَى لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ قَصْدُهُ الْإِخْبَارَ عَمَّا وَقَعَ مِنْ اتِّهَامِ الْكُفَّارِ لَهُمْ وَهُوَ لَا يَعْتَقِدُ ذَلِكَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنْ حَالِ الْمُسْلِمِ (قَوْلُهُ: لَكِنَّهُ يُعَاقَبُ) أَيْ بِالضَّرْبِ وَطُولِ السَّجْنِ.
(قَوْلُهُ: نَظَرًا لِظَاهِرِ اللَّفْظِ) أَيْ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ لُحُوقُ النَّقْصِ لِلْأَنْبِيَاءِ عُمُومًا وَالنَّبِيِّ خُصُوصًا بِالْإِغْيَاءِ.
(قَوْلُهُ: لِاحْتِمَالِ إلَخْ) قَالَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ بَابًا فِي هَذَا التَّعْلِيلِ بَعْدَ وَلِذَا قَالَ الشَّارِحُ بَهْرَامُ الْأَظْهَرُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ فِي الْفَرْعِ الْأَخِيرِ الْقَتْلُ.
(قَوْلُهُ: لَكِنَّهُ يُنَكَّلُ) أَيْ بِالضَّرْبِ وَيُطَالُ سَجْنُهُ بَعْدَهُ.
(قَوْلُهُ: قَوْلَانِ فِي كُلٍّ مِنْ الْفُرُوعِ الثَّلَاثَةِ) أَيْ وَالظَّاهِرُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ فِي الْفُرُوعِ الثَّلَاثَةِ الْقَتْلُ بِلَا اسْتِتَابَةٍ كَمَا فِي المج
(قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا فِيهِ الْعُقُوبَةُ) أَيْ بِالضَّرْبِ وَطُولِ السَّجْنِ. (قَوْلُهُ: وَاسْتُتِيبَ فِي هَزْمٍ) هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْمُرَابِطِ وَالْعَجَبُ مِنْ ابْنِ الْمُرَابِطِ فِي قَوْلِهِ ذَلِكَ مَعَ قَوْلِهِ مَنْ قَالَ هُزِمَتْ بَعْضُ جُيُوشِهِ يُقْتَلُ وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَالْمُرَادُ بِهِمْ مَنْ كَانَ فِيهِمْ وَإِنَّمَا قُتِلَ قَائِلُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ غَايَةَ مَا هُنَاكَ أَنَّ بَعْضَ الْأَفْرَادِ فَرَّ يَوْمَ أُحُدٍ وَهَذَا نَادِرٌ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَغَالِبُ الْجَيْشِ لَمْ يَفِرَّ وَقَدْ جَمَعَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ كَلَامَيْ ابْنِ الْمُرَابِطِ بِحَمْلِ هَذَا عَلَى قَائِلِهِ بِقَصْدِ التَّنْصِيصِ وَالْأَوَّلُ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ لَمْ يَقْصِدْ تَنْقِيصًا فَيُسْتَتَابُ، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ لَكِنْ الَّذِي عَلَيْهِ مَالِكٌ وَعَامَّةُ أَصْحَابِهِ أَنَّ مَنْ قَالَ: إنَّ النَّبِيَّ هُزِمَ يُقْتَلُ وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَظَاهِرُ الْإِطْلَاقِ أَيْ قَصْدُ الْقَائِلِ بِذَلِكَ التَّنْقِيصُ أَمْ لَا وَإِنَّمَا قُتِلَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَصَمَهُ مِنْ الْهَزِيمَةِ فَنِسْبَةُ الْهَزِيمَةِ إلَيْهِ فِيهِ إلْحَاقُ نَقْصٍ بِهِ (قَوْلُهُ: وَالْحَقُّ أَنَّ الْإِعْلَانَ إلَخْ) هَذَا هُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ ابْنُ مَرْزُوقٍ كَمَا يَأْتِي وَقَوْلُهُ: مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ تَابَ أَوْ لَمْ يَتُبْ.
(قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَجِيءَ تَائِبًا قَبْلَ الظُّهُورِ عَلَيْهِ) أَيْ، وَإِلَّا قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ وَلَا يُقْتَلُ.
(قَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ) أَيْ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إذَا أَعْلَنَ بِالتَّكْذِيبِ يُسْتَتَابُ، فَإِنْ لَمْ يَتُبْ قَتَلْت وَإِنْ أُسِرَ بِهِ قُتِلَ بِلَا اسْتِتَابَةٍ، إلَّا أَنْ يَجِيءَ تَائِبًا كَمَا أَنَّهُ إذَا ادَّعَى النُّبُوَّةَ كَذَلِكَ.
(قَوْلُهُ: فِي هَذَا الْفَرْعِ)