أَيْ الْإِبِلِ أَيْ وَضْعُ الْجِلَالِ عَلَيْهَا - جَمْعُ جُلٍّ بِالضَّمِّ - بِأَنْ يَضَعَ عَلَيْهَا شَيْئًا مِنْ الثِّيَابِ بِقَدْرِ وُسْعِهِ وَالْبَيَاضُ أَوْلَى (وَ) نُدِبَ (شَقُّهَا) أَيْ الْجِلَالِ عَنْ الْأَسْنِمَةِ لِيَظْهَرَ الْإِشْعَارُ وَتُمْسَكُ بِالسَّنَامِ مَخَافَةَ سُقُوطِهَا (إنْ لَمْ تَرْتَفِعْ) قِيمَتُهَا كَدِرْهَمَيْنِ فَأَقَلَّ فَإِنْ ارْتَفَعَتْ بِأَنْ زَادَتْ عَلَيْهِمَا نُدِبَ عَدَمُ شَقِّهَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ إضَاعَةِ مَالِ الْمَسَاكِينِ بِإِفْسَادِهِ عَلَيْهِمْ (وَقُلِّدَتْ الْبَقَرُ) اسْتِنَانًا فِيمَا يَظْهَرُ (فَقَطْ) دُونَ إشْعَارٍ فَهُوَ قَيْدٌ لِقُلِّدَتْ (إلَّا) أَنْ تَكُونَ الْبَقَرُ (بِأَسْنِمَةٍ) فَتُشْعَرُ أَيْضًا كَالْإِبِلِ (لَا الْغَنَمُ) فَلَا تُشْعَرُ وَلَا تُقَلَّدُ أَيْ يُكْرَهُ تَقْلِيدُهَا وَيَحْرُمُ إشْعَارُهَا؛ لِأَنَّهُ تَعْذِيبٌ.
وَلَمَّا كَانَ الْأَكْلُ مِنْ دِمَاءِ الْحَجِّ يَنْقَسِمُ مَنْعًا، وَإِبَاحَةً بِاعْتِبَارِ بُلُوغِ الْمَحِلِّ وَعَدَمِهِ أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ أَشَارَ لِلْأَوَّلِ مِنْهَا وَهُوَ الْمَنْعُ مُطْلَقًا بِقَوْلِهِ (وَلَمْ يُؤْكَلْ) أَيْ يَحْرُمُ عَلَى رَبِّ الْهَدْيِ أَنْ يَأْكُلَ (مِنْ نَذْرِ مَسَاكِينَ عُيِّنَ) لَهُمْ بِاللَّفْظِ، أَوْ النِّيَّةِ بِأَنْ قَالَ: هَذَا نَذْرٌ لِلَّهِ عَلَيَّ وَنَوَى أَنْ يَكُونَ لِلْمَسَاكِينِ (مُطْلَقًا) بَلَغَ مَحِلَّهُ - وَهُوَ مِنًى بِالشُّرُوطِ الْمُتَقَدِّمَةِ، أَوْ مَكَّةُ - أَوْ لَمْ يَبْلُغْ وَمِثْلُ نَذْرِ الْمَسَاكِينِ الْمُعَيَّنِ هَدْيُ التَّطَوُّعِ إذَا نَوَاهُ لِلْمَسَاكِينِ، أَوْ سَمَّاهُ لَهُمْ عَيَّنَ أَمْ لَا وَكَذَا الْفِدْيَةُ إنْ لَمْ يَجْعَلْ هَدْيًا فَهَذِهِ ثَلَاثَةٌ يَحْرُمُ الْأَكْلُ مِنْهَا عَلَى مُهْدِيهَا مُطْلَقًا.
وَأَشَارَ لِلْقِسْمِ الثَّانِي بِقَوْلِهِ (عَكْسُ الْجَمِيعِ) أَيْ جَمِيعِ الْهَدَايَا غَيْرِ مَا ذُكِرَ مِنْ تَطَوُّعٍ، أَوْ وَاجِبٍ لِنَقْصٍ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ مِنْ تَرْكِ وَاجِبٍ أَوْ فَسَادٍ، أَوْ فَوَاتٍ، أَوْ تَعَدِّي مِيقَاتٍ، أَوْ مُتْعَةٍ، أَوْ قِرَانٍ أَوْ نَذْرٍ لَمْ يُعَيَّنْ فَلَهُ الْأَكْلُ مِنْهَا مُطْلَقًا بَلَغَتْ مَحِلَّهَا أَمْ لَا، وَإِذَا جَازَ لَهُ الْأَكْلُ فِي الْجَمِيعِ (فَلَهُ إطْعَامُ الْغَنِيِّ وَالْقَرِيبِ) وَأَوْلَى غَيْرُهُمَا
ــ
[حاشية الدسوقي]
لِئَلَّا يَضِيعَ، فَيُعْلَمَ أَنَّهُ هَدْيٌ فَيُرَدَّ. (قَوْلُهُ: أَيْ الْإِبِلِ) أَيْ وَأَمَّا الْبَقَرُ وَالْغَنَمُ فَلَا تُجَلَّلُ كَمَا فِي التَّوْضِيحِ عَنْ الْمَبْسُوطِ. (قَوْلُهُ: فَهُوَ قَيْدٌ لِقُلِّدَتْ) أَيْ لَا لِلْبَقَرِ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْإِبِلَ يُسَنُّ تَقْلِيدُهَا أَيْضًا. (قَوْلُهُ: إلَّا بِأَسْنِمَةٍ) مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُوَ قَوْلُ الْمُدَوَّنَةِ وَتُقَلَّدُ الْبَقَرُ وَلَا تُشْعَرُ إلَّا أَنْ تَكُونَ لَهَا أَسْنِمَةٌ فَتُشْعَرُ اهـ وَعَزَا ابْنُ عَرَفَةَ لَهَا أَنَّ الْبَقَرَ لَا تُشْعَرُ مُطْلَقًا وَتَعَقَّبَهُ طفى بِقَوْلِهَا الْمَذْكُورِ قَالَ عبق: وَإِذَا كَانَ لَهَا أَسْنِمَةٌ وَأُشْعِرَتْ هَلْ تُجَلَّلُ حِينَئِذٍ أَمْ لَا؟ اهـ، وَهَذَا قُصُورٌ مِنْهُ وَاَلَّذِي نَقَلَهُ الْبَاجِيَّ عَنْ الْمَبْسُوطِ أَنَّهَا لَا تُجَلَّلُ وَنَقَلَ الْأَبِيُّ عَنْ الْمَازِرِيِّ أَنَّهَا تُجَلَّلُ فَهُمَا قَوْلَانِ اهـ بْن.
(قَوْلُهُ: مِنْ دِمَاءِ الْحَجِّ) أَيْ وَهِيَ الْهَدْيُ وَجَزَاءُ الصَّيْدِ وَفِدْيَةُ الْأَذَى وَمَا سِيقَ بَعْدَ الْإِحْرَامِ تَطَوُّعًا أَوْ نَذْرًا، وَقَوْلُهُ: أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ أَيْ مَا لَا يُؤْكَلُ مِنْهُ مُطْلَقًا وَمَا يُؤْكَلُ مِنْهُ مُطْلَقًا وَمَا يُؤْكَلُ مِنْهُ قَبْلَ الْمَحِلِّ لَا بَعْدَهُ وَعَكْسُهُ. (قَوْلُهُ: وَلَمْ يُؤْكَلْ) الْأَوْلَى وَلَا يُؤْكَلُ؛ لِأَنَّ لَمْ لِنَفْيِ الْمَاضِي، وَالْمَقْصُودُ النَّهْيُ عَنْ الْأَكْلِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ. (قَوْلُهُ: أَيْ يَحْرُمُ عَلَى رَبِّ الْهَدْيِ) أَيْ وَكَذَا عَلَى رَسُولِهِ الَّذِي أَرْسَلَهُ مَعَهُ كَمَا يَأْتِي وَعَلَى مَأْمُورِهِمَا أَيْ مَنْ أَمَرَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ مَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْمَأْمُورُ فَقِيرًا. (قَوْلُهُ: مِنْ نَذْرِ مَسَاكِينَ) أَيْ مِنْ هَدْيٍ مَنْذُورٍ لِلْمَسَاكِينِ. (قَوْلُهُ: عُيِّنَ لَهُمْ) أَيْ سَوَاءٌ عَيَّنَ الْمَسَاكِينَ أَيْضًا، أَوْ لَا. (قَوْلُهُ: بِأَنْ قَالَ: هَذَا نَذْرٌ لِلَّهِ إلَخْ) هَذَا مِثَالٌ لِنَذْرِ الْمَسَاكِينِ الْمُعَيَّنِ لَهُمْ بِالنِّيَّةِ وَأَمَّا الْمُعَيَّنُ لَهُمْ بِاللَّفْظِ فَكَأَنْ يَقُولَ: هَذَا نَذْرٌ عَلَيَّ لِلْمَسَاكِينِ. (قَوْلُهُ: أَوْ لَمْ يَبْلُغْ) بِأَنْ عَطِبَ قَبْلَهُ أَمَّا عَدَمُ الْأَكْلِ مِنْهُ إذَا لَمْ يَبْلُغْ الْمَحِلَّ بِأَنْ عَطِبَ فَلِأَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ وَأَمَّا بَعْدَ الْمَحِلِّ فَلِأَنَّهُ قَدْ عَيَّنَ آكِلَهُ - وَهُمْ الْمَسَاكِينُ -، وَلِأَجْلِ أَنَّ نَذْرَ الْمَسَاكِينِ الْمُعَيَّنَ غَيْرُ مَضْمُونٍ إذَا مَاتَ، أَوْ سُرِقَ قَبْلَ الْمَحِلِّ لَا يَلْزَمُ رَبَّهُ بَدَلُهُ. (قَوْلُهُ: وَمِثْلُ نَذْرِ الْمَسَاكِينِ الْمُعَيَّنِ هَدْيُ التَّطَوُّعِ إذَا نَوَاهُ لِلْمَسَاكِينِ، أَوْ سَمَّاهُ لَهُمْ) أَيْ هَدْيُ التَّطَوُّعِ الَّذِي جَعَلَهُ لِلْمَسَاكِينِ بِالنِّيَّةِ أَوْ بِاللَّفْظِ كَمَا إذَا قَالَ: هَذَا الْهَدْيُ تَطَوُّعٌ لِلَّهِ أَوْ عَلَيَّ هَدْيُ تَطَوُّعٍ لِلَّهِ وَنَوَى بِهِ الْمَسَاكِينَ، أَوْ عَيَّنَهُمْ بِاللَّفْظِ؛ كَهَذَا تَطَوُّعٌ لِلْمَسَاكِينِ، أَوْ عَلَيَّ هَدْيُ تَطَوُّعٍ لِلْمَسَاكِينِ وَقَوْلُهُ " عَيَّنَ أَمْ لَا " أَيْ عَيَّنَ ذَلِكَ الْهَدْيَ أَمْ لَا وَسَوَاءٌ عَيَّنَ الْمَسَاكِينَ أَيْضًا أَمْ لَا. (قَوْلُهُ: فَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ يَحْرُمُ إلَخْ) أَمَّا حُرْمَةُ الْأَكْلِ مِنْ نَذْرِ الْمَسَاكِينِ الْمُعَيَّنِ مُطْلَقًا فَقَدْ عَلِمْتَ وَجْهَهُ وَأَمَّا حُرْمَةُ الْأَكْلِ مِنْ هَدْيِ التَّطَوُّعِ الَّذِي جَعَلَهُ لِلْمَسَاكِينِ بِاللَّفْظِ أَوْ النِّيَّةِ فَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ قَيَّدَهُ بِالْمَسَاكِينِ، وَأَمَّا الْفِدْيَةُ إذَا لَمْ تُجْعَلْ هَدْيًا فَعَدَمُ الْأَكْلِ مِنْهَا مُطْلَقًا لِأَنَّهَا عِوَضٌ عَنْ التَّرَفُّهِ فَالْجَمْعُ بَيْنَ الْأَكْلِ مِنْهَا وَالتَّرَفُّهِ كَالْجَمْعِ بَيْنَ الْعِوَضِ وَالْمُعَوَّضِ قَالَ بْن وَالْأَوْلَى حَذْفُ قَوْلِهِ وَكَذَا الْفِدْيَةُ إذَا لَمْ تُجْعَلْ هَدْيًا؛ لِأَنَّهَا لَا تَخْتَصُّ بِمَكَانٍ كَمَا تَقَدَّمَ بَلْ أَيْنَمَا ذُبِحَتْ فَذَلِكَ مَحِلُّهَا وَحِينَئِذٍ فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهَا ذَبْحٌ إلَّا بَعْدَ الْمَحِلِّ فَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَالْفِدْيَةُ وَالْجَزَاءُ بَعْدَ الْمَحِلِّ فَلِذَلِكَ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِيهَا وَاعْلَمْ أَنَّ النَّذْرَ قَسَّمَهُ الشَّارِحُ إلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يُسَمِّيَهُ لِلْفُقَرَاءِ بِاللَّفْظِ، أَوْ النِّيَّةِ، أَوْ لَا يُسَمِّيَهُ لَهُمْ وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا، أَوْ لَا فَإِنْ سَمَّاهُ لَهُمْ بِاللَّفْظِ أَوْ النِّيَّةِ وَكَانَ مُعَيَّنًا فَلَا يَأْكُلُ مِنْهُ مُطْلَقًا لَا قَبْلَ الْمَحِلِّ وَلَا بَعْدَهُ، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْهُ وَلَمْ يُسَمِّهِ لِلْمَسَاكِينِ كَانَ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهُ مُطْلَقًا، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْهُ وَسَمَّاهُ لِلْمَسَاكِينِ فَلَا يَأْكُلُ مِنْهُ بَعْدَ الْمَحِلِّ بَلْ قَبْلَهُ، وَإِنْ عَيَّنَهُ وَلَمْ يَجْعَلْهُ لِلْمَسَاكِينِ فَلَا يَأْكُلُ مِنْهُ قَبْلَ الْمَحِلِّ بَلْ بَعْدَهُ. (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءً بَلَغَتْ الْمَحِلَّ أَوْ عَطِبَتْ قَبْلَهُ.
(قَوْلُهُ: عَكْسُ الْجَمِيعِ) أَيْ وَهَذَا الْمُتَقَدِّمُ عَكْسُ جَمِيعِ هَدَايَا الْحَجِّ فَلَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا وَيَتَزَوَّدَ وَيُطْعِمَ الْغَنِيَّ وَالْفَقِيرَ وَسَوَاءٌ بَلَغَتْ الْمَحِلَّ أَوْ عَطِبَتْ قَبْلَهُ. (قَوْلُهُ: مِنْ تَطَوُّعٍ، أَوْ وَاجِبٍ) عَمَّمَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لِأَجْلِ الِاسْتِثْنَاءِ الَّذِي بَعْدَهُ اهـ بْن. (قَوْلُهُ: مِنْ تَرْكِ وَاجِبٍ) أَيْ كَالتَّلْبِيَةِ وَالنُّزُولِ بِعَرَفَةَ نَهَارًا، أَوْ النُّزُولِ بِالْمُزْدَلِفَةِ لَيْلًا وَكَالْجِمَارِ وَطَوَافِ الْقُدُومِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْوَاجِبَاتِ. (قَوْلُهُ: أَوْ نَذْرٍ لَمْ يُعَيَّنْ) أَيْ وَلَمْ يُسَمِّهِ لِلْمَسَاكِينِ. (قَوْلُهُ: فَلَهُ إطْعَامُ إلَخْ) أَيْ فَبِسَبَبِ هَذِهِ الْإِبَاحَةِ الْمُطْلَقَةِ لَهُ إطْعَامٌ إلَخْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute