للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَكُرِهَ) إطْعَامُهُ مِنْهَا (لِذِمِّيٍّ) ثُمَّ اسْتَثْنَى مِمَّا يُؤْكَلُ مِنْهُ مُطْلَقًا مَا يُؤْكَلُ مِنْهُ فِي حَالٍ دُونَ آخَرَ وَتَحْتَهُ قِسْمَانِ: أَوَّلُهُمَا ثَالِثُ الْأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ بِقَوْلِهِ (إلَّا) ثَلَاثَةً (نَذْرًا لَمْ يُعَيَّنْ) بِأَنْ كَانَ مَضْمُونًا وَسَمَّاهُ لِلْمَسَاكِينِ كَلِلَّهِ عَلَيَّ هَدْيٌ لِلْمَسَاكِينِ، أَوْ نَوَاهُ لَهُمْ (وَالْفِدْيَةَ) إذَا جُعِلَتْ هَدْيًا (وَالْجَزَاءَ) لِلصَّيْدِ فَلَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ (بَعْدَ) بُلُوغِ (الْمَحِلِّ) سَالِمَةً وَأَمَّا إنْ عَطِبَتْ قَبْلَهُ فَيَأْكُلُ مِنْهَا؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ بَدَلَهَا.

وَأَشَارَ لِرَابِعِ الْأَقْسَامِ بِقَوْلِهِ (وَهَدْيُ تَطَوُّعٍ) وَلَمْ يَجْعَلْهُ لِلْمَسَاكِينِ بِلَفْظٍ وَلَا نِيَّةٍ وَمِثْلُهُ النَّذْرُ الْمُعَيَّنُ الَّذِي لَمْ يُجْعَلْ لَهُمْ كَذَلِكَ (إنْ عَطِبَ قَبْلَ مَحِلِّهِ) فَلَا يَأْكُلُ مِنْهُ أَمَّا إنْ وَصَلَ لِمَحِلِّهِ سَالِمًا فَإِنَّهُ يَأْكُلُ مِنْهُ (فَتُلْقَى قِلَادَتُهُ بِدَمِهِ) لِتَكُونَ قِلَادَتُهُ دَالَّةً عَلَى كَوْنِهِ هَدْيًا يُبَاحُ أَكْلُهُ (وَيُخَلَّى لِلنَّاسِ) مُطْلَقًا وَلَوْ أَغْنِيَاءَ وَكُفَّارًا (كَرَسُولِهِ) الْأَوْلَى أَنَّهُ تَشْبِيهٌ فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ لَا فِي خُصُوصِ الْقِسْمِ الَّذِي قَبْلَهُ فَحُكْمُهُ فِي الْأَكْلِ وَعَدَمِهِ حُكْمُ رَبِّهِ إلَّا إذَا عَطِبَ الْوَاجِبُ قَبْلَ الْمَحِلِّ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ ظَاهِرًا لِتُهْمَةِ أَنْ يَكُونَ تَسَبَّبَ فِي عَطَبِهِ أَمَّا إنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَتَسَبَّبْ فِي عَطَبِهِ، أَوْ عَلِمَ أَنَّ رَبَّهُ لَا يَتَّهِمُهُ أَوْ وَطَّنَ نَفْسَهُ عَلَى الْغُرْمِ جَازَ لَهُ الْأَكْلُ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى (وَضَمِنَ) رَبُّهُ (فِي غَيْرِ) مَسْأَلَةِ (الرَّسُولِ) وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِرَبِّهِ (بِأَمْرِهِ) أَيْ أَمْرِ رَبِّهِ (بِأَخْذِ شَيْءٍ) مِنْ الْمَمْنُوعِ الْأَكْلِ

ــ

[حاشية الدسوقي]

قَوْلُهُ: وَكُرِهَ) أَيْ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَالَ اللَّخْمِيُّ يَجُوزُ. (قَوْلُهُ: بِأَنْ كَانَ مَضْمُونًا وَسَمَّاهُ لِلْمَسَاكِينِ، أَوْ نَوَاهُ لَهُمْ) فَالْأَوَّلُ كَمَا لَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ هَدْيٌ لِلْمَسَاكِينِ وَالثَّانِي كَقَوْلِهِ لِلَّهِ عَلَيَّ هَدْيٌ وَنَوَى أَنَّهُ لِلْمَسَاكِينِ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ سَمَّاهُ لِلْمَسَاكِينِ، أَوْ نَوَاهُ لَهُمْ عَنْ النَّذْرِ الْمَضْمُونِ الَّذِي لَمْ يُعَيَّنْ وَلَمْ يَجْعَلْهُ لِلْمَسَاكِينِ لَا بِاللَّفْظِ وَلَا بِالنِّيَّةِ فَإِنَّ هَذَا يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْهُ قَبْلَ الْمَحِلِّ وَبَعْدَهُ كَمَا تَقَدَّمَ. (قَوْلُهُ: وَالْفِدْيَةَ إذَا جُعِلَتْ هَدْيًا) أَيْ وَفِدْيَةَ الْأَذَى إذَا جَعَلَهَا هَدْيًا بِالنِّيَّةِ بِأَنْ يَنْوِيَ بِهَا الْهَدْيَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِالذَّبْحِ الْهَدْيَ فَكَحُكْمِهِ. (قَوْلُهُ: فَلَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ بَعْدَ الْمَحِلِّ) أَيْ وَلَوْ كَانَ فَقِيرًا. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ عَلَيْهِ بَدَلَهَا) أَيْ يَبْعَثُهُ إلَى الْمَحِلِّ فَهُوَ لَمْ يَأْكُلْ مِمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ وَامْتَنَعَ الْأَكْلُ مِنْ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ بَعْدَ بُلُوغِهَا لَلْمَحِلِّ؛ لِأَنَّ النَّذْرَ الْمَضْمُونَ الْمَجْعُولَ لِلْمَسَاكِينِ قَدْ وَصَلَ إلَيْهِمْ، وَالْفِدْيَةُ بَدَلٌ عَنْ التَّرَفُّهِ فَالْجَمْعُ بَيْنَ الْأَكْلِ مِنْهَا وَالتَّرَفُّهِ كَالْجَمْعِ بَيْنَ الْعِوَضِ وَالْمُعَوَّضِ، وَالْجَزَاءُ قِيمَةُ مُتْلَفٍ. .

(قَوْلُهُ: إنْ عَطِبَ قَبْلَ مَحِلِّهِ فَلَا يَأْكُلُ مِنْهُ) أَيْ وَلَوْ كَانَ فَقِيرًا وَذَلِكَ لِأَنَّهُ غَيْرُ ضَامِنٍ لَهُ لَوْ تَلِفَ فَلَوْ أَكَلَ مِنْهُ قَبْلَ الْمَحِلِّ لَاتُّهِمَ عَلَى عَطَبِهِ (قَوْلُهُ: فَتُلْقَى إلَخْ) أَيْ أَنَّ هَدْيَ التَّطَوُّعِ إذَا عَطِبَ قَبْلَ الْمَحِلِّ فَإِنَّ صَاحِبَهُ يَنْحَرُهُ وَيُلْقِي قِلَادَتَهُ وَخِطَامَهُ وَجِلَالَهُ بِدَمِهِ وَيُخَلِّي بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ يَأْكُلُونَهُ، وَإِنَّمَا خُصَّ إلْقَاءُ الْقِلَادَةِ بِهَدْيِ التَّطَوُّعِ وَلَمْ يُجْعَلْ عَامًّا فِي كُلِّ ذَبْحٍ يَحْرُمُ الْأَكْلُ مِنْهُ قَبْلَ الْمَحِلِّ لِعُمُومِ قَوْلِهِ وَيُخَلِّي بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ الشَّامِلِ لِلْفَقِيرِ وَالْمُسْلِمِ وَغَيْرِهِمَا بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْهَدَايَا الَّتِي يَحْرُمُ عَلَى رَبِّهَا الْأَكْلُ مِنْهَا فَإِنَّ إبَاحَةَ الْأَكْلِ مِنْهَا مَخْصُوصَةٌ بِالْمُسْلِمِ الْفَقِيرِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَغْنِيَاءَ وَكُفَّارًا) أَيْ فَإِبَاحَتُهُ لَا تَخْتَصُّ بِالْفَقِيرِ قَالَ ح وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ خَلَّى بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَهُ وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالتَّوْضِيحُ خِلَافًا لِمَا ذَكَرَهُ سَنَدٌ مِنْ أَنَّ هَدْيَ التَّطَوُّعِ مُخْتَصٌّ بِالْفُقَرَاءِ وَنَقَلَهُ ح عَنْهُ فَانْظُرْهُ. (قَوْلُهُ: الْأَوْلَى أَنَّهُ تَشْبِيهٌ فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ) أَيْ مِنْ الْأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ فَالرَّسُولُ فِيهَا كَرَبِّهِ فَالرَّسُولُ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ لَا يَأْكُلُ مِنْهُ لَا قَبْلَ الْمَحِلِّ وَلَا بَعْدَهُ وَفِي الثَّانِي يَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ مُطْلَقًا وَفِي الثَّالِثِ يَجُوزُ لَهُ قَبْلُ لَا بَعْدُ وَفِي الرَّابِعِ يَجُوزُ لَهُ بَعْدُ لَا قَبْلُ وَفِي هَدْيِ التَّطَوُّعِ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُلْقِيَ قِلَادَتَهُ بِدَمِهِ وَيُخَلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ جَمِيعِ النَّاسِ كَمَا أَنَّ رَبَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: فَحُكْمُهُ فِي الْأَكْلِ وَعَدَمِهِ حُكْمُ رَبِّهِ) هَذَا إذَا كَانَ ذَلِكَ الرَّسُولُ غَيْرَ فَقِيرٍ أَمَّا لَوْ كَانَ فَقِيرًا جَازَ لَهُ الْأَكْلُ مِمَّا لَا يَجُوزُ لِرَبِّهِ الْأَكْلُ مِنْهُ قَالَ سَنَدٌ وَكُلُّ هَدْيٍ لَا يَأْكُلُ مِنْهُ صَاحِبُهُ لَا يَأْكُلُ مِنْهُ نَائِبُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِصِفَةٍ مُسْتَحِقَّةٍ بِأَنْ كَانَ فَقِيرًا وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ وَلَوْ كَانَ فَقِيرًا مِثْلَ رَبِّهِ وَجَعَلَ طفى هَذَا الْقَوْلَ هُوَ النَّقْلُ اُنْظُرْ بْن. (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا عَطِبَ الْوَاجِبُ) أَرَادَ بِهِ النَّذْرَ الْمَضْمُونَ الَّذِي جَعَلَهُ لِلْمَسَاكِينِ وَالْفِدْيَةَ الَّتِي جَعَلَهَا هَدْيًا وَجَزَاءَ الصَّيْدِ وَهُوَ الْقِسْمُ الثَّالِثُ. (قَوْلُهُ: فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ) أَيْ لَا يَجُوزُ لِلرَّسُولِ، وَإِنْ جَازَ لِرَبِّهِ. (قَوْلُهُ: فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى) أَيْ وَأَمَّا فِي الظَّاهِرِ فَيُحْكَمُ بِعَدَمِ الْجَوَازِ لِلتُّهْمَةِ إلَّا لِبَيِّنَةٍ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ. (قَوْلُهُ: وَضَمِنَ فِي غَيْرِ الرَّسُولِ إلَخْ) هَذِهِ الْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ اقْتَضَتْهُ الْجُمْلَةُ السَّابِقَةُ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ الْأَكْلُ مِنْ الْهَدْيِ عَلَى صَاحِبِهِ وَرَسُولِهِ ابْتِدَاءً فَكَأَنَّ سَائِلًا قَالَ وَمَا الْحُكْمُ لَوْ وَقَعَ وَأَكَلَ رَبُّ الْهَدْيِ مِنْهُ، أَوْ أَكَلَ مِنْهُ رَسُولُهُ، أَوْ أَمَرَ أَحَدُهُمَا بِأَخْذِ شَيْءٍ أَوْ بِأَكْلِهِ فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ وَضَمِنَ إلَخْ. (قَوْلُهُ: فِي غَيْرِ الرَّسُولِ) اعْتَرَضَهُ الْبِسَاطِيُّ بِأَنَّ الْأَوْلَى حَذْفُ " فِي " أَيْ ضَمِنَ غَيْرُ الرَّسُولِ - وَهُوَ رَبُّهُ -، وَأَجَابَ الشَّارِحُ بِأَنَّ الْمُرَادَ فِي غَيْرِ مَسْأَلَةِ الرَّسُولِ، وَغَيْرُهَا الْمَسْأَلَةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِرَبِّ الْهَدْيِ. (قَوْلُهُ: يَأْمُرُهُ بِأَخْذِ شَيْءٍ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْمَأْمُورُ مُسْتَحِقًّا كَفَقِيرٍ، أَوْ غَيْرَ مُسْتَحِقٍّ كَغَنِيٍّ وَهَذَا خَاصٌّ بِهَدْيِ التَّطَوُّعِ الَّذِي عَطِبَ قَبْلَ الْمَحِلِّ وَأَمَّا غَيْرُ هَدْيِ التَّطَوُّعِ إذَا أَمَرَ إنْسَانًا بِأَخْذِ شَيْءٍ مِنْهُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ هَدْيًا كَامِلًا

<<  <  ج: ص:  >  >>