ثُمَّ وَجَدَهُ مِنْ الْغَدِ مَيْتًا لَمْ يُؤْكَلْ لِاحْتِمَالِ مَوْتِهِ بِشَيْءٍ مِنْ الْهَوَامِّ مَثَلًا (أَوْ) (صَدَمَ أَوْ عَضَّ) الْجَارِحُ الصَّيْدَ (بِلَا جُرْحٍ) فِيهِمَا أَيْ بِلَا إدْمَاءٍ، وَلَوْ مَعَ شَقٍّ لِجِلْدِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الصَّيْدُ مَرِيضًا فَشَقَّ جِلْدَهُ، وَلَمْ يَنْزِلْ مِنْهُ دَمٌ فَيَكْفِي (أَوْ) أَرْسَلَهُ عَلَى غَيْر مَرْئِي، وَلَيْسَ الْمَكَانُ مَحْصُورًا أَوْ (قَصَدَ مَا وَجَدَ) جَارِحُهُ أَوْ سَهْمُهُ فِي طَرِيقِهِ (أَوْ) أَرْسَلَ جَارِحًا فَمَسَكَ الصَّيْدَ ثُمَّ (أَرْسَلَ) جَارِحًا (ثَانِيًا بَعْدَ مَسْكٍ أَوَّلٍ) لِلصَّيْدِ (وَقَتَلَ) الثَّانِي أَوْ قَتَلَا جَمِيعًا فَلَا يُؤْكَلُ لِلشَّكِّ فِي الْمُبِيحِ (أَوْ) (اضْطَرَبَ) الْجَارِحُ (فَأَرْسَلَ) الصَّائِدُ جَارِحَهُ عَلَيْهِ (وَلَمْ يُرَ) الصَّيْدُ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ، وَلَيْسَ الْمَكَانُ مَحْصُورًا مِنْ غَارٍ أَوْ غَيْضَةٍ فَصَادَ شَيْئًا لَمْ يُؤْكَلْ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ الْمُضْطَرِبِ عَلَيْهِ وَصَيْدُهُ غَيْرُ مَنْوِيٍّ (إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْمُضْطَرَبَ) بِفَتْحِ الرَّاءِ أَيْ الْمُضْطَرَبَ عَلَيْهِ (وَغَيْرَهُ فَتَأْوِيلَانِ) بِالْأَكْلِ إذْ صَيْدُهُ مَنْوِيٌّ حِينَئِذٍ، وَعَدَمُهُ إذْ شَرْطُهُ الرُّؤْيَةُ أَوْ انْحِصَارُ الْمَكَانِ، وَلَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا.
(وَوَجَبَ) فِي الذَّكَاةِ بِأَنْوَاعِهَا (نِيَّتُهَا) أَيْ قَصْدُهَا، وَإِنْ لَمْ يُلَاحِظْ حِلِّيَّةٌ الْأَكْلِ احْتِرَازًا عَمَّا لَوْ ضَرَبَ حَيَوَانًا بِآلَةٍ فَأَصَابَتْ مَنْحَرَهُ أَوْ أَصَابَتْ صَيْدًا أَوْ قَصَدَا مُجَرَّدَ إزْهَاقِ رُوحِهِ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ تَذْكِيَةٍ لَمْ يُؤْكَلْ (وَتَسْمِيَةٌ) عِنْدَ التَّذْكِيَةِ وَعِنْدَ الْإِرْسَالِ فِي الْعَقْرِ (إنْ ذَكَرَ) ، وَقَدَرَ فَلَا تَجِبُ عَلَى نَاسٍ، وَلَا أَخْرَسَ، وَلَا مُكْرَهَ فَالشَّرْطُ رَاجِعٌ لِلتَّسْمِيَةِ فَقَطْ وَمَحَلُّ اشْتِرَاطِهَا إنْ كَانَ الْمُذَكِّي مُسْلِمًا، وَأَمَّا النِّيَّةُ أَيْ قَصْدُ الْفِعْلِ لِتُؤْكَلَ لَا قَتْلُهَا أَيْ مُجَرَّدُ إزْهَاقِ رُوحِهَا
ــ
[حاشية الدسوقي]
لِأَنَّهُ أَمِنَ عَلَيْهِ مِمَّا يَخَافُ عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ أَنْ يَكُونَ مَوْتُهُ بِسَبَبِهِ مِنْ غَيْرِ سَبَبِ السَّهْمِ قَالَ: وَلَمْ نَجِدْ لِرِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ هَذِهِ عَنْ مَالِكٍ ذِكْرًا فِي كِتَابِ السَّمَاعِ، وَلَا رَوَاهَا عَنْهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَلَمْ نَشُكَّ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ وَهِمَ فِيهَا ابْنُ الْمَوَّازِ وَبِهِ أَقُولُ ابْنُ يُونُسَ، وَهُوَ الصَّوَابُ ابْنُ رُشْدٍ، وَهُوَ أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ قَالَ سُلَيْمَانُ الْبَاجِيَّ، وَقَالَهُ سَحْنُونٌ، وَعَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا. اهـ. مَوَّاقٌ (قَوْلُهُ: ثُمَّ وَجَدَهُ مِنْ الْغَدِ مَيْتًا) الْغَدُ لَيْسَ بِقَيْدٍ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ خَفِيَ عَلَيْهِ مُدَّةً مِنْ اللَّيْلِ فِيهَا طُولٌ بِحَيْثُ يَلْتَبِسُ الْحَالُ، وَلَا يَدْرِي هَلْ مَاتَ مِنْ الْجَارِحِ أَوْ أَعَانَ عَلَى قَتْلِهِ شَيْءٌ مِنْ الْهَوَامِّ الَّتِي تَظْهَرُ فِيهِ كَالْأَفَاعِي فَلَوْ رَمَاهُ فَغَابَ عَنْهُ يَوْمًا كَامِلًا ثُمَّ وَجَدَهُ مَيْتًا فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ حَيْثُ لَمْ يَتَرَاخَ فِي اتِّبَاعِهِ، وَهَذَا مَفْهُومُ قَوْلِهِ بَاتَ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَنَّ الصَّيْدَ يَمْنَعُ نَفْسَهُ مِنْ الْهَوَامِّ فِي النَّهَارِ دُونَ اللَّيْلِ فَإِذَا غَابَ لَيْلًا احْتَمَلَ مُشَارَكَةَ الْهَوَامِّ الَّتِي تَظْهَرُ فِيهِ لِلسَّهْمِ بِخِلَافِ مَا إذَا غَابَ نَهَارًا فَإِنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: لِاحْتِمَالِ مَوْتِهِ) كَذَا عَلَّلُوا عَدَمَ الْأَكْلِ وَحِينَئِذٍ فَالْأَحْسَنُ لَوْ قَدَّمَ الْمُصَنِّفُ هَذَا الْفَرْعَ وَجَعَلَهُ مِنْ أَفْرَادِ قَوْلِهِ، وَلَمْ يَتَحَقَّقْ الْمُبِيحُ فِي شَرِكَةٍ (قَوْلُهُ: أَوْ صُدِمَ) أَيْ بِأَنْ ضَرَبَهُ فَرَمَاهُ وَصَارَ يُمَرِّغُهُ حَتَّى مَاتَ (قَوْلُهُ: بِلَا جُرْحٍ فِيهِمَا) أَيْ، وَمَاتَ الصَّيْدُ بِذَلِكَ، وَلَيْسَ مَفْهُومُ قَوْلِهِ بِلَا جُرْحٍ هُنَا مُكَرَّرًا مَعَ مَنْطُوقِ قَوْلِهِ سَابِقًا وَجُرْحُ مُسْلِمٍ؛ لِأَنَّهُ مَفْهُومٌ غَيْرُ شَرْطٍ، وَهُوَ لَا يَعْتَبِرُهُ فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ الْأَوْلَى إسْقَاطُ قَوْلِهِ بِلَا جُرْحٍ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ: أَوْ صُدِمَ أَوْ عُضَّ مَعْنَاهُ مِنْ غَيْرِ جُرْحٍ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ وَجُرْحُ مُسْلِمٍ (قَوْلُهُ: عَلَى غَيْرِ مَرْأًى) أَيْ فَذَهَبَ الْجَارِحُ فَأَتَى بِصَيْدٍ مَيِّتٍ فَلَا يُؤْكَلُ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْأَكْلِ رُؤْيَةُ الصَّيْدِ وَقْتَ الْإِرْسَالِ أَوْ كَوْنُ الْمَكَانِ الَّذِي أُرْسِلَ فِيهِ الْجَارِحُ مَحْصُورًا، وَلَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا (قَوْلُهُ: وَقُتِلَ الثَّانِي) إنَّمَا لَمْ يُؤْكَلْ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ قَتَلَ الصَّيْدَ، وَهُوَ مَقْدُورٌ عَلَيْهِ حِينَ إرْسَالِهِ وَتَقَدَّمَ أَنَّ شَرْطَ أَكْلِ الصَّيْدِ بِالْعَقْرِ أَنْ يَكُونَ مَعْجُوزًا عَنْهُ حِينَ الْإِرْسَالِ فَلَوْ أُرْسِلَ ثَانِيًا بَعْدَ مَسْكِ الْأَوَّلِ لَهُ فَقَتَلَهُ الْأَوَّلُ قَبْلَ وُصُولِ الثَّانِي إلَيْهِ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ يُؤْكَلُ لِلْعَجْزِ عَنْهُ حِينَ إرْسَالِ قَاتِلِهِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ أَرْسَلَ الثَّانِيَ قَبْلَ مَسْكِ الْأَوَّلِ فَقَتَلَهُ الثَّانِي قَبْلَ مَسْكِ الْأَوَّلِ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ قَتَلَاهُ مَعًا (قَوْلُهُ: لَمْ يُؤْكَلْ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ إلَخْ) هَذَا أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ لِمَالِكٍ وَالثَّانِي يُؤْكَلُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْغَالِبَ كَالْمُحَقَّقِ إذْ الْغَالِبُ أَنَّ الْجَارِحَ إنَّمَا أَخَذَ مَا اضْطَرَبَ عَلَيْهِ وَالْقَوْلُ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ مِنْ عَدَمِ الْأَكْلِ، وَهُوَ مَا فِي الْعُتْبِيَّةِ حَيْثُ قَالَتْ، وَلَوْ رَأَى الْجَارِحُ مُضْطَرِبًا، وَلَمْ يَرَ الصَّائِدُ شَيْئًا فَأَرْسَلَهُ فَصَادَ شَيْئًا فَلَا أُحِبُّ أَكْلَهُ، وَكَلَامُهَا هُوَ مَحَلُّ التَّأْوِيلَيْنِ؛ لِأَنَّ ابْنَ رُشْدٍ حَمَلَهَا عَلَى مَا إذَا نَوَى الْمُضْطَرِبُ عَلَيْهِ فَقَطْ قَالَ فَإِنْ نَوَاهُ وَغَيْرَهُ أَكَلَ لِقَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ إنْ نَوَى جَمَاعَةً وَمَا وَرَاءَهَا مِمَّا لَمْ يَرَهُ أَكَلَ الْجَمِيعَ، وَحَمَلَهَا بَعْضُهُمْ عَلَى خِلَافِ الْمُدَوَّنَةِ وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّ التَّأْوِيلَيْنِ لَيْسَا عَلَى إصْلَاحِ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا عَلَى الْمُدَوَّنَةِ، وَإِنَّمَا هُمَا عَلَى قَوْلِ الْعُتْبِيَّةِ لَا أُحِبُّ أَكْلَهُ هَلْ هُوَ عَلَى إطْلَاقِهِ فَيَكُونُ بَيْنَ الْمُدَوَّنَةِ وَالْعُتْبِيَّةِ خِلَافٌ أَوْ هُوَ مُقَيَّدٌ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا وِفَاقٌ (قَوْلُهُ: أَيْ الْمُضْطَرِبُ عَلَيْهِ) أَشَارَ الشَّارِحُ بِهَذَا إلَى أَنَّ قَوْلَهُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْمُضْطَرِبُ هُوَ مِنْ بَابِ الْحَذْفِ وَالْإِيصَالِ فَنَائِبُ الْفَاعِلِ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ لَا مَحْذُوفٌ.
(قَوْلُهُ: وَوَجَبَ نِيَّتُهَا) أَيْ وُجُوبًا مُطْلَقًا غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِذِكْرٍ، وَلَا غَيْرِهِ، وَقَوْلُهُ بِأَنْوَاعِهَا أَيْ الْأَرْبَعَةِ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ لَمْ يُلَاحِظْ حِلِّيَّةٌ الْأَكْلِ إلَّا أَنَّ الْوَاجِبَ نِيَّةُ الْفِعْلِ لَا نِيَّةُ التَّحْلِيلِ (قَوْلُهُ: عِنْدَ التَّذْكِيَةِ) أَيْ فِي الذَّبْحِ وَالنَّحْرِ (قَوْلُهُ: فَلَا تَجِبُ عَلَى نَاسٍ إلَخْ) أَيْ وَحِينَئِذٍ فَيُقَيَّدُ بِذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: ١٢١] أَيْ لَا تَأْكُلُوا مِمَّا تُرِكَتْ التَّسْمِيَةُ عَلَيْهِ عَمْدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا، وَأَمَّا مَا تُرِكَتْ التَّسْمِيَةُ عَلَيْهِ نِسْيَانًا أَوْ عَجْزًا فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute