الْمَاهِيَّةِ بِلَا قَيْدٍ، وَتَقْيِيدُهُ رَدُّهُ إلَى بَعْضِ مَا يَتَنَاوَلُهُ بِحَيْثُ لَا يَتَنَاوَلُ غَيْرَهُ فَمَنْ حَلَفَ لَا أُكَلِّمُ رَجُلًا وَنَوَى جَاهِلًا أَوْ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ فِي اللَّيْلِ جَازَ لَهُ تَكْلِيمُهُ الْعَالِمَ أَوْ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ أَوْ فِي النَّهَارِ (إنْ نَافَتْ) نِيَّتُهُ أَيْ خَالَفَتْ لَفْظَهُ الْعَامَّ فَهَذَا رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ خَصَّصَتْ فَقَطْ، وَلَا حَاجَةَ لَهُ إذْ لَا مَعْنَى لِتَخْصِيصِهَا إلَّا مُنَافَاتُهَا لِظَاهِرِ لَفْظِهِ، وَلَا يَرْجِعُ لِقَيَّدَتْ؛ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ لَا يَكُونُ إلَّا مُوَافِقًا لِظَاهِرِ اللَّفْظِ كَمَا لَوْ قَالَ أَحَدُ عَبِيدِي حُرٌّ، وَقَالَ أَرَدْت فُلَانًا كَذَا قِيلَ وَالْأَظْهَرُ رُجُوعُهُ لَهُمَا، وَأَنَّهُ لَا حَاجَةَ لَهُ (وَسَاوَتْ) رَاجِعٌ لِلتَّخْصِيصِ وَالْقَيْدِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَمَعْنَى سَاوَتْ احْتَمَلَتْ عَلَى السَّوَاءِ بِأَنْ يَكُونَ لَفْظُ الْحَالِفِ يَحْتَمِلُ مَا نَوَاهُ وَغَيْرَهُ عَلَى السَّوَاءِ، وَتَخْصِيصُ النِّيَّةِ وَتَقْيِيدُهَا حِينَئِذٍ يَكُونُ (فِي اللَّهِ) أَيْ فِي الْيَمِينِ بِهِ (وَغَيْرِهَا كَطَلَاقٍ) ، وَعِتْقٍ، وَمَثَّلَ لِلْمُسَاوِيَةِ فِي الطَّلَاقِ بِقَوْلِهِ (كَكَوْنِهَا) أَيْ الزَّوْجَةِ (مَعَهُ) فِي عِصْمَتِهِ (فِي) حَلِفِهِ لَهَا (لَا يَتَزَوَّجُ) امْرَأَةً عَلَيْهَا (حَيَاتَهَا) فَمَنْ تَزَوَّجَهَا فَهِيَ طَالِقٌ ثُمَّ طَلَّقَهَا وَتَزَوَّجَ وَادَّعَى أَنَّهُ نَوَى مَا دَامَتْ مَعَهُ فِي عِصْمَتِهِ فَيَنْفَعُهُ ذَلِكَ فِي الْفَتْوَى وَالْقَضَاءِ مُطْلَقًا، وَلَوْ فِي طَلَاقٍ وَعِتْقٍ مُعَيَّنٍ، وَمَفْهُومُ إنْ سَاوَتْ أَنَّهَا إنْ لَمْ تُسَاوِ بِأَنْ خَالَفَتْ ظَاهِرَ اللَّفْظِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ قَرِيبَةً مِنْ الْمُسَاوَاةِ أَوْ بَعِيدَةً جِدًّا فَإِنْ كَانَتْ قَرِيبَةً مِنْهَا قُبِلَتْ
ــ
[حاشية الدسوقي]
فَعَبِيدِي أَحْرَارٌ ثُمَّ فَعَلَ ذَلِكَ، وَقَالَ أَرَدْت بِعَبِيدِي غَيْرَ زَيْدٍ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ مِنْهُ ذَلِكَ، وَكَحَلِفِهِ لَا أَلْبَسُ الثِّيَابَ وَنَوَى الْكَتَّانَ فَيَنْفَعُهُ ذَلِكَ، وَيَجُوزُ لَهُ لُبْسُ الثِّيَابِ مِنْ غَيْرِ الْكَتَّانِ كَالْقُطْنِ وَالصُّوفِ (قَوْلُهُ: بِلَا قَيْدٍ) أَيْ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ لِتَحَقُّقِهَا فِي فَرْدٍ مُبْهَمٍ أَوْ مُعَيَّنٍ فَهُوَ مُرَادِفٌ لِاسْمِ الْجِنْسِ بِخِلَافِ النَّكِرَةِ فَإِنَّهُ مَا دَلَّ عَلَى الْمَاهِيَّةِ بِقَيْدِ الْوَحْدَةِ الشَّائِعَةِ أَيْ بِقَيْدِ وُجُودِهَا فِي فَرْدٍ مُبْهَمٍ.
وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّفْظَ فِي الْمُطْلَقِ وَالنَّكِرَةِ وَاحِدٌ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِالِاعْتِبَارِ فَإِنْ اُعْتُبِرَ فِي اللَّفْظِ دَلَالَتُهُ عَلَى الْمَاهِيَّةِ بِلَا قَيْدٍ فَهُوَ الْمُطْلَقُ وَاسْمُ الْجِنْسِ، وَإِنْ اُعْتُبِرَ مَعَ قَيْدِ الْوَحْدَةِ الشَّائِعَةِ سُمِّيَ نَكِرَةً كَمَا قَالَهُ ابْنُ السُّبْكِيّ، وَقَالَ الْقَرَافِيُّ وَالْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ إنَّهُمَا وَاحِدٌ ذَاتًا وَاعْتِبَارًا، وَهُوَ مَا دَلَّ عَلَى الْمَاهِيَّةِ بِقَيْدِ وُجُودِهَا فِي فَرْدٍ مُبْهَمٍ، لَكِنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ أُسْلُوبُ الْمَنَاطِقَةِ وَالْأُصُولِيِّينَ (قَوْلُهُ: فَمَنْ حَلَفَ إلَخْ) ، وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَيُكْرِمَنَّ رَجُلًا وَنَوَى زَيْدًا فَلَا يَبَرُّ بِإِكْرَامِ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ رَجُلًا مُطْلَقٌ قَيَّدَهُ بِخُصُوصِ زَيْدٍ فَصَارَ مَعْنَى الْيَمِينِ لَأُكْرِمَنَّ زَيْدًا (قَوْلُهُ: أَيْ خَالَفْت لَفْظَهُ الْعَامَّ) أَشَارَ بِهَذَا إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِمُنَافَاةِ النِّيَّةِ لِلْعَامِّ مُخَالِفَتُهَا لِمُقْتَضَى لَفْظِهِ، وَلَوْ بِالْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ، سَوَاءٌ كَانَتْ مُنَافِيَةً لَهُ حَقِيقَةً بِأَنْ كَانَ اللَّفْظُ يَقْتَضِي ثُبُوتَ الْحُكْمِ لِأَمْرٍ، وَالنِّيَّةُ تَنْفِيهِ عَنْهُ أَوْ بِالْعَكْسِ أَوْ كَانَتْ غَيْرَ مُنَافِيَةٍ لَهُ فَالْأَوَّلُ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا آكُلُ سَمْنًا وَنَوَى سَمْنَ الضَّأْنِ، وَإِبَاحَةُ سَمْنِ غَيْرِ الضَّأْنِ وَالثَّانِي كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ سَمْنًا وَنَوَى سَمْنَ الضَّأْنِ أَيْ أَنَّهُ قَصَدَ هَذَا الْمَعْنَى الْخَاصَّ مُعَبَّرًا عَنْهُ بِاللَّفْظِ الْعَامِّ، وَلَمْ يُلَاحِظْ إبَاحَةَ سَمْنِ غَيْرِهِ فَنِيَّةُ سَمْنِ الضَّأْنِ لَيْسَتْ مُنَافِيَةً لِعُمُومِ السَّمْنِ بَلْ فَرْدٌ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَتْ مُغَايِرَةً لَهُ فَالنِّيَّةُ نَافِعَةٌ لِلْحَالِفِ فِي الصُّورَتَيْنِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ فَلَهُ أَكْلُ سَمْنِ غَيْرِ الضَّأْنِ فِيهِمَا.
وَاشْتَرَطَ الْقَرَافِيُّ فِي تَخْصِيصِ النِّيَّةِ لِلْعَامِّ مُنَافَاتُهَا لَهُ حَقِيقَةً فَجَعَلَهَا مُخَصِّصَةً فِي الْمِثَالِ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي وَرُدَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْمُنَافَاةَ إنَّمَا تُشْتَرَطُ فِي الْمُخَصَّصِ الْمُنْفَصِلِ عَنْ الْعَامِّ الْمُسْتَقِلِّ لَا الْمُتَّصِلِ بِهِ كَالتَّخْصِيصِ بِالْوَصْفِ، وَحِينَئِذٍ فَنِيَّةُ الضَّأْنِ فِي حُكْمِ مَا لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا آكُلُ سَمْنًا ضَأْنًا فَلَا يَحْنَثُ بِغَيْرِهِ هَذَا، وَلَا يَصِحُّ كَوْنُ نَافَتْ مِنْ نَافَ يُنِيفُ بِمَعْنَى يَزِيدُ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ الَّتِي تُنِيفُ أَيْ تَزِيدُ عَلَى مُقْتَضَى الْعَامِّ لَا تُخَصِّصُ، وَلَا تُقَيِّدُ نَعَمْ هِيَ تُعَمِّمُ الْمُطْلَقَ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْفُرُوعِ الْآتِيَةِ نَحْوُ وَاَللَّهِ لَأُكْرِمَنَّ أَخًا لَك وَتُرِيدُ جَمِيعَ إخْوَتِهِ فَأَخًا مُطْلَقٌ فَإِذَا أَرَادَ جَمِيعَ إخْوَتِهِ كَانَتْ تِلْكَ النِّيَّةُ زَائِدَةً عَلَى الْمُطْلَقِ، وَمُعَمِّمَةً لَهُ فَلَا يَبْرَأُ إلَّا بِإِكْرَامِ الْجَمِيعِ (قَوْلُهُ: إذْ لَا مَعْنَى لِتَخْصِيصِهَا) أَيْ لِلْعَامِّ، وَقَوْلُ إلَّا مُنَافَاتُهَا أَيْ لَهُ أَيْ مُخَالَفَتُهَا، وَمُغَايَرَتُهَا لَهُ؛ لِأَنَّ تَخْصِيصَهَا لَهُ قَصْرُهُ عَلَى بَعْضِ أَفْرَادِهِ وَبَعْضِ أَفْرَادِهِ مُغَايِرٌ، وَمُخَالِفٌ لِعُمُومِهِ وَحَيْثُ كَانَ لَا مَعْنَى لِتَخْصِيصِهَا لِلْعَامِّ إلَّا مُخَالَفَتُهَا لَهُ فَاشْتِرَاطُ الْمُنَافَاةِ فِي تَخْصِيصِهَا مِنْ اشْتِرَاطِ الشَّيْءِ فِي نَفْسِهِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَالْأَظْهَرُ رُجُوعُهُ لَهُمَا) أَيْ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ رَجُلًا وَنَوَى جَاهِلًا فَالْجَاهِلُ لَيْسَ مُوَافِقًا لِظَاهِرِ اللَّفْظِ بَلْ الْمُوَافِقُ لَهُ أَيُّ رَجُلٍ كَانَ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِمُنَافَاةِ النِّيَّةِ مُخَالَفَتُهَا لِظَاهِرِ اللَّفْظِ، وَهَذَا مُتَأَتٍّ فِي كُلٍّ مِنْ الْعَامِّ وَالْمُطْلَقِ (قَوْلُهُ: عَلَى السَّوَاءِ) أَيْ بِالنَّظَرِ لِلْعُرْفِ بِأَنْ يَكُونَ احْتِمَالُ لَفْظِ الْحَالِفِ لِمَا نَوَاهُ وَلِغَيْرِهِ مُتَسَاوِيَيْنِ عُرْفًا، وَلَيْسَ احْتِمَالُهُ لِمَا نَوَاهُ أَبْعَدَ احْتِرَازًا عَنْ النِّيَّةِ الْبَعِيدَةِ لِأَجِدَ وَهِيَ وَلَهُ: كَأَنْ خَالَفْت ظَاهِرَ لَفْظِهِ إلَخْ، وَعَنْ شَدِيدَةِ الْبُعْدِ، وَهِيَ قَوْلُهُ: لَا إرَادَةَ مَيْتَةٍ (قَوْلُهُ: وَمِثْلٌ لِلْمُسَاوِيَةِ) أَيْ لِلنِّيَّةِ الْمُسَاوِيَةِ الْمُخَصِّصَةِ لِلْعَامِّ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ حَيَاتَهَا مُفْرَدٌ مُضَافٌ يَعُمُّ كُلَّ وَقْتٍ مِنْ أَوْقَاتِ حَيَاتِهَا الشَّامِلِ ذَلِكَ لِوَقْتِ كَوْنِهَا مَعَهُ فِي عِصْمَتِهِ وَغَيْرِهِ فَإِذَا أَرَادَ بِحَيَاتِهَا كَوْنَهَا مَعَهُ فِي عِصْمَتِهِ كَانَ قَصْرًا لِلْعَامِّ عَلَى بَعْضِ أَفْرَادِهِ، وَهُوَ تَخْصِيصٌ لَهُ (قَوْلُهُ: ثُمَّ طَلَّقَهَا) أَيْ طَلَاقًا بَائِنًا، وَأَمَّا لَوْ طَلَّقَهَا طَلَاقًا رَجْعِيًّا ثُمَّ تَزَوَّجَ وَقَعَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ فِي الَّتِي تَزَوَّجَهَا، وَلَا تَنْفَعُهُ نِيَّتُهُ بِكَوْنِهَا مَعَهُ؛ لِأَنَّ الرَّجْعِيَّةَ زَوْجَةٌ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ فَلَوْ طَلَّقَ الْمَحْلُوفَ لَهَا طَلَاقًا بَائِنًا ثُمَّ تَزَوَّجَ، وَعَادَتْ الْمَحْلُوفُ لَهَا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ عَادَتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ فِي الْمَحْلُوفِ لَهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِصْمَتُهَا عَلَى مَا يَأْتِي.
(قَوْلُهُ: إنَّهُ نَوَى) -
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute