فَالْمَعْنَى بِالنِّسْبَةِ لِلْأَوَّلِ أَنَّهُ يَحْنَثُ بِإِبْقَاءِ رَحْلِهِ وَبِالنِّسْبَةِ لِلثَّانِي أَنَّهُ لَا يَبَرُّ بِإِبْقَائِهِ وَالْمُرَادُ بِالرَّحْلِ مَا يَحْمِلُ الْحَالِفَ عَلَى الرُّجُوعِ لَهُ إنْ تَرَكَهُ (لَا بِكَمِسْمَارٍ) وَوَتَدٍ مِمَّا لَا يَحْمِلُهُ عَلَى الْعَوْدِ فَلَا يَحْنَثُ بِتَرْكِهِ (وَهَلْ) عُدِمَ الْحِنْثُ بِتَرْكِهِ (إنْ نَوَى عَدَمَ عَوْدِهِ) لَهُ فَإِنْ نَوَى الْعَوْدَ حَنِثَ أَوْ عُدِمَ الْحِنْثُ مُطْلَقًا (تَرَدُّدٌ) وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ الْأَوَّلَ يَقُولُ بِالْحِنْثِ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ كَمَا إذَا نَسِيَ الْمِسْمَارَ وَنَحْوَهُ مَعَ أَنَّ الْمَذْهَبَ عَدَمُ الْحِنْثِ خِلَافًا لِابْنِ وَهْبٍ فَمَحَلُّ التَّرَدُّدِ إنْ نَوَى الْعَوْدَ فَإِنْ نَوَى عَدَمَهُ لَمْ يَحْنَثْ اتِّفَاقًا، وَكَذَا إنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ فَلَوْ قَالَ، وَهَلْ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ عَوْدَهُ تَرَدَّدَ كَانَ أَحْسَنَ.
(وَ) مَنْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ فُلَانًا حَقَّهُ إلَى أَجَلِ كَذَا فَقَضَاهُ إيَّاهُ فَاسْتَحَقَّ مِنْ يَدِهِ أَوْ طَلَعَ فِيهِ عَلَى عَيْبٍ حَنِثَ (بِاسْتِحْقَاقِ بَعْضِهِ) ، وَأَوْلَى كُلِّهِ، وَلَوْ كَانَ الْبَعْضُ الْبَاقِي يَفِي بِالدَّيْنِ (أَوْ) ظُهُورِ (عَيْبِهِ) الْقَدِيمِ الْمُوجِبِ لِلرَّدِّ (بَعْدَ الْأَجَلِ) كَمَا إذَا وَجَدَ فِيهَا نُحَاسًا أَوْ رَصَاصًا، وَهَذَا حَيْثُ لَمْ يَرْضَ بِالْمَعِيبِ وَاجِدُهُ فَإِنْ رَضِيَ بِهِ فَلَا حِنْثَ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَقْصَ عَدَدٍ أَوْ وَزْنٍ فِي الْمُتَعَامَلِ بِهِ كَذَلِكَ فَيَحْنَثُ، وَلَوْ رَضِيَ.
(وَ) حَنِثَ مَنْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ فُلَانًا حَقَّهُ إلَى أَجَلِ كَذَا (بِبَيْعٍ فَاسِدٍ) مُتَّفَقٍ عَلَى فَسَادِهِ، وَقَاصَصَهُ بِثَمَنِهِ مِنْ حَقِّهِ (فَاتَ) الْمَبِيعُ فِي يَدِ صَاحِبِ الْحَقِّ (قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ الْأَجَلِ الْمَحْلُوفِ إلَيْهِ (إنْ لَمْ تَفِ) الْقِيمَةُ بِالدَّيْنِ، وَلَمْ يُكَمِّلُ الْحَالِفُ لِلْغَرِيمِ بَقِيَّةَ حَقِّهِ حَتَّى مَضَى الْأَجَلُ، وَإِلَّا فَلَا كَمَا لَوْ كَانَ مُخْتَلَفًا فِي فَسَادِهِ لِمُضِيِّهِ بِالثَّمَنِ (كَأَنْ لَمْ يَفُتْ) الْمَبِيعُ قَبْلَ الْأَجَلِ أَيْ، وَفَاتَ بَعْدَهُ فَإِنْ، وَفَّتْ الْقِيمَةُ بَرَّ، وَإِلَّا فَلَا (عَلَى الْمُخْتَارِ) فَإِنْ لَمْ يَفُتْ الْمَبِيعُ قَبْلَهُ، وَلَا بَعْدَهُ حَنِثَ قَطْعًا
ــ
[حاشية الدسوقي]
شَهْرٍ وَنُدِبَ كَمَالُهُ.
(قَوْلُهُ: فَالْمَعْنَى بِالنِّسْبَةِ لِلْأَوَّلِ أَنَّهُ يَحْنَثُ إلَخْ) ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى إذَا حَلَفَ لَا أَسْكُنُ هَذِهِ الدَّارَ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَرْتَحِلَ بِجَمِيعِ أَهْلِهِ وَوَلَدِهِ وَمَتَاعِهِ فَوْرًا، فَإِنْ ارْتَحَلَ بِأَهْلِهِ وَوَلَدِهِ، وَأَبْقَى مِنْ مَتَاعِهِ مَا لَهُ بَالٌ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ لَا إنْ تَرَكَ نَحْوَ مِسْمَارٍ أَوْ خَشَبَةٍ مِمَّا لَا يَحْمِلُ الْحَالِفُ عَلَى الْعَوْدِ إلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِتَرْكِ ذَلِكَ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ تَرَكَهُ لِيَعُودَ إلَيْهِ أَمْ لَا، وَقِيلَ إنْ نَوَى الْعَوْدَ إلَيْهِ حَنِثَ لَا إنْ نَوَى عَدَمَ الْعَوْدِ أَوْ لَا نِيَّةَ لَهُ فَالتَّرَدُّدُ إنَّمَا هُوَ فِيمَنْ نَوَى الْعَوْدَ لَهُ (قَوْلُهُ: أَنَّهُ لَا يَبَرُّ) أَيْ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَيَنْتَقِلَنَّ يَجِبُ عَلَيْهِ الِانْتِقَالُ فَإِذَا نَقَلَ أَهْلَهُ وَوَلَدَهُ، وَأَبْقَى رَحْلَهُ فَلَا يَبَرُّ بِذَلِكَ إلَّا إذَا كَانَ الْبَاقِي شَيْئًا قَلِيلًا كَمِسْمَارٍ أَوْ خَشَبَةٍ فَإِنَّهُ يَبَرُّ (قَوْلُهُ: وَهَلْ عَدِمَ الْحِنْثَ) أَيْ بِإِبْقَاءِ الْمِسْمَارِ وَنَحْوِهِ (قَوْلُهُ: تَرَدُّدٌ) التَّرَدُّدُ هُنَا لِلْمُتَأَخِّرِينَ فِي فَهْمِ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ فَإِنْ تَرَكَ مِنْ النَّقْلِ مِثْلَ الْوَتَدِ وَالْمِسْمَارِ وَالْخَشَبَةِ مِمَّا لَا حَاجَةَ لَهُ بِهِ أَوْ تَرَكَ ذَلِكَ نِسْيَانًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. اهـ. هَلْ يُقَيَّدُ بِمَا لَمْ يَنْوِ عَوْدَهُ لَهُ فَإِنْ نَوَى عَوْدَهُ إلَيْهِ حَنِثَ أَوْ يَبْقَى عَلَى إطْلَاقِهِ فِي عَدَمِ الْحِنْثِ، وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ اخْتِلَافُهُمْ فِي فَهْمِ الْمُدَوَّنَةِ عَبَّرَ بِالتَّرَدُّدِ دُونَ التَّأْوِيلَيْنِ. اهـ. بْن، وَفِي عج أَنَّ التَّعْبِيرَ بِالتَّرَدُّدِ فِي مَحَلِّهِ، وَأَنَّ النَّقْلَ اخْتَلَفَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فَابْنُ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ نَقَلَ عَنْهُ أَنَّهُ يَحْنَثُ فِيمَا إذَا نَوَى الْعَوْدَ وَنَقَلَ عَنْ أَشْهَبَ مَا يُفِيدُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ، وَغَيْرُ ابْنِ رُشْدٍ نَقَلَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَدَمَ الْحِنْثِ إذَا نَوَى الْعَوْدَ لَهُ (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِابْنِ وَهْبٍ) فَإِنَّهُ يَقُولُ بِالْحِنْثِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ أَصْلًا أَوْ نَوَى الْعَوْدَ إلَيْهِ فَإِنْ نَوَى عَدَمَ الْعَوْدِ لَهُ فَلَا حِنْثَ.
(قَوْلُهُ: وَأَوْلَى كُلُّهُ) أَيْ، وَقَامَ رَبُّ الدَّيْنِ بِهِ، وَهَذَا الْقَيْدُ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَظَاهِرُهَا أَنَّهُ يَجْرِي فِي الْعَيْبِ وَالِاسْتِحْقَاقِ كَمَا نَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ. اهـ. بْن (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ الْبَعْضُ الْبَاقِي يَفِي بِالدَّيْنِ) ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَا رَضِيَ فِي حَقِّهِ إلَّا بِالْكُلِّ فَلَمَّا ذَهَبَ الْبَعْضُ انْتَقَضَ الرِّضَا، وَهَذَا فِي الْقَضَاءِ بِغَيْرِ الْجِنْسِ وَظَاهِرُهُ الْحِنْثُ بِالِاسْتِحْقَاقِ، وَلَوْ أَجَازَ الْمُسْتَحِقُّ أَخَذَ رَبُّ الْحَقِّ ذَلِكَ الشَّيْءَ الْمَقْضِيَّ بِهِ الدَّيْنُ الَّذِي اسْتَحَقَّهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ: بَعْدَ الْأَجَلِ) مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ أَيْ، وَكَانَ الْقِيَامُ بِمَا ذُكِرَ مِنْ الْعَيْبِ وَالِاسْتِحْقَاقِ بَعْدَ الْأَجَلِ فَعُلِمَ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّ الْحِنْثَ فِي مَسْأَلَةِ الِاسْتِحْقَاقِ مُقَيَّدٌ بِقَيْدَيْنِ أَنْ يَقُومَ رَبُّ الدَّيْنِ بِهِ، وَأَنْ يَكُونَ قِيَامُهُ بَعْدَ الْأَجَلِ، وَفِي مَسْأَلَةِ ظُهُورِ الْعَيْبِ مُقَيَّدٌ بِقُيُودٍ ثَلَاثَةٍ بِزِيَادَةِ كَوْنِ الْعَيْبِ مُوجِبًا لِلرَّدِّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُوجِبًا لِلرَّدِّ أَوْ لَمْ يَقُمْ رَبُّ الدَّيْنِ بِهِ بَلْ سَامَحَ لَمْ يَحْنَثْ الْحَالِفُ، وَإِنْ قَامَ رَبُّ الدَّيْنِ بِهِ قَبْلَ الْأَجَلِ فَلَا حِنْثَ إنْ أَجَازَ، وَكَذَا إنْ لَمْ يُجِزْ وَاسْتَوْفَى حَقَّهُ قَبْلَ مُضِيِّ الْأَجَلِ، وَإِلَّا حَنِثَ اُنْظُرْ ح. اهـ. بْن.
(قَوْلُهُ: وَبِبَيْعٍ فَاسِدٍ إلَخْ) صُورَتُهَا حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّهُ حَقَّهُ إلَى أَجَلِ كَذَا فَبَاعَهُ عَرَضًا قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ بَيْعًا فَاسِدًا بِمِثْلِ الدَّيْنِ، وَقَاصَصَهُ بِالثَّمَنِ، وَفَاتَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ صَاحِبِ الْحَقِّ قَبْلَ الْأَجَلِ فَإِنْ مَضَى الْأَجَلُ حَنِثَ؛ لِأَنَّ الْمُعَاوَضَةَ الشَّرْعِيَّةَ لَمْ تَحْصُلْ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْقِيمَةِ وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ فَإِنَّهُ يَبَرُّ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَلَا) أَيْ، وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ فِي الْقِيمَةِ وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ أَوْ كَمَّلَ الْحَالِفُ لِلْغَرِيمِ بَقِيَّةَ حَقِّهِ قَبْلَ مُضِيِّ الْأَجَلِ فَلَا حِنْثَ (قَوْلُهُ: كَأَنْ لَمْ يَفُتْ) هَذَا تَشْبِيهٌ بِمَا قَبْلَهُ تَامٌّ فِي مَنْطُوقِهِ، وَمَفْهُومِهِ، وَمَنْطُوقُهُ إنْ لَمْ تَفِ الْقِيمَةُ بِالدَّيْنِ وَمَفْهُومُهُ وَفَاؤُهَا بِالدَّيْنِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَفُتْ الْمَبِيعُ قَبْلَهُ، وَلَا بَعْدَهُ إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ اللَّخْمِيِّ كَظَاهِرِ الْمُصَنِّفِ فِي أَنَّ الْخِلَافَ وَالِاخْتِيَارَ جَارِيَانِ فِيمَا إذَا لَمْ يَفُتْ قَبْلَ الْأَجَلِ سَوَاءٌ فَاتَ بَعْدَهُ أَمْ لَا وَنَصُّ اللَّخْمِيِّ فَإِنْ مَضَى الْأَجَلُ، وَهُوَ قَائِمٌ فَقَالَ سَحْنُونٌ يَحْنَثُ، وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يَحْنَثُ، وَأَرَى بِرَّهُ إنْ كَانَ فِيهِ وَفَاءٌ اهـ. نَقَلَهُ الْمَوَّاقُ، وَقَدْ شَرَحَ ح كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ، وَقَالَ -
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute